الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } * { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } * { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } * { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } قال ٱبن مسعود وٱبن عباس وقتادة ومجاهد: شغلهم ٱفتضاض العَذَارى. وذكر الترمذيّ الحكيم في كتاب مشكل القرآن له: حدّثنا محمد بن حميد الرّازي، حدّثنا يعقوب القُمِّي، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود في قوله: { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } قال: شغلهم ٱفتضاض العذارى. حدثنا محمد بن حميد، حدثنا هارون بن المغيرة، عن نهشل، عن الضحاك، عن ٱبن عباس بمثله. وقال أبو قِلابة: بينما الرجل من أهل الجنة مع أهله إذ قيل له تحوّل إلى أهلك فيقول أنا مع أهلي مشغول فيقال تحوّل أيضاً إلى أهلك. وقيل: أصحاب الجنة في شغل بما هم فيه من اللذات والنعيم عن الاهتمام بأهل المعاصي ومصيرهم إلى النار، وما هم فيه من أليم العذاب، وإن كان فيهم أقرباؤهم وأهلوهم قاله سعيد بن المسيّب وغيره. وقال وكيع: يعني في السماع. وقال ٱبن كيسان: «فِي شُغُلٍ» أي في زيارة بعضهم بعضاً. وقيل: في ضيافة الله تعالى. وروى أنه إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب؟ فيقومون كأنما وجوههم البدر والكوكب الدريّ، ركباناً على نجب من نور أزمتها من الياقوت، تطير بهم على رؤوس الخلائق، حتى يقوموا بين يدي العرش، فيقول الله جل وعز لهم: السلام على عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب، أنا ٱصطفيتكم وأنا ٱجتبيتكم وأنا ٱخترتكم، ٱذهبوا فادخلوا الجنة بغير حساب فَـ { لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }. فيمرون على الصراط كالبرق الخاطف فتفتح لهم أبوابها. ثم إن الخلق في المحشر موقوفون فيقول بعضهم لبعض: يا قوم أين فلان وفلانٰ؟ وذلك حين يسأل بعضهم بعضاً فينادي منادٍ { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ }. و «شُغُلٍ» و «شُغْلِ» لغتان قرىء بهما مثل الرُّعُبِ والرعْبِ والسحُت والسحْت وقد تقدم. { فَاكِهُونَ } قال الحسن: مسرورون. وقال ٱبن عباس: فرحون. مجاهد والضحاك: معجبون. السّدّي: ناعمون. والمعنى متقارب. والفكاهة المزاح والكلام الطيّب. وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج: «فَكِهُونَ» بغير ألف وهما لغتان كالفارِه والفَره، والحاذَر والحَذِر قاله الفراء. وقال الكسائي وأبو عبيدة: الفاكه ذو الفاكهة مثل شاحم ولاحِم وتامِر ولابِن، والفَكِه: المتفكّه والمتّنعم. و «فَكِهُون» بغير ألف في قول قتادة: معجبون. وقال أبو زيد: يقال رجل فكِه إذا كان طيب النفس ضحوكاً. وقرأ طلحَة بن مُصرِّف: «فَاكِهِينَ» نصبه على الحال. { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } مبتدأ وخبره. ويجوز أن يكون «هُمْ» توكيداً «وَأَزْوَاجُهُمْ» عطف على المضمر، و «مُتَّكِئُونَ» نعت لقوله «فَاكِهُونَ».

السابقالتالي
2 3