الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } * { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ } قال قتادة: يعني «ٱتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ» أي من الوقائع فيمن كان قبلكم من الأمم، «وَمَا خَلْفَكُمْ» من الآخرة. ٱبن عباس وابن جُبير ومجاهد: «مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ» ما مضى من الذنوب، «وَمَا خَلْفَكُمْ» ما يأتي من الذنوب. الحسن: «مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ» ما مضى من أجَلِكُمْ «وَمَا خَلْفَكُمْ» ما بقي منه. وقيل: «مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ» من الدنيا، «وَمَا خَلْفَكُمْ» من عذاب الآخرة قاله سفيان. وحكى عكس هذا القول الثعلبي عن ٱبن عباس. قال: «مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ» من أمر الآخرة وما عملوا لها، «وَمَا خَلْفَكُمْ» من أمر الدنيا فٱحذروها ولا تغتروا بها. وقيل: «مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ» ما ظهر لكم «وَمَا خَلْفَكُمْ» ما خفي عنكم. والجواب محذوف، والتقدير: إذا قيل لهم ذلك أعرضوا دليله قوله بعد: { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } فٱكتفى بهذا عن ذلك. قوله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ ٱلله } أي تصدّقوا على الفقراء. قال الحسن: يعني اليهود أمروا بإطعام الفقراء. وقيل: هم المشركون قال لهم فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله وذلك قوله:وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } [الأنعام: 136] فحرموهم وقالوا: لو شاء الله أطعمكم ـ ٱستهزاء ـ فلا نطعمكم حتى ترجعوا إلى ديننا. قالوا: { أَنُطْعِمُ } أي أنرزق { مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } كان بلغهم من قول المسلمين: أن الرازق هو الله. فقالوا هزءا: أنرزق من لو يشاء الله أغناه. وعن ٱبن عباس: كان بمكة زنادقة، فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا: لا والله! أيفقره الله ونطعمه نحن. وكانوا يسمعون المؤمنين يعلقون أفعال الله تعالى بمشيئته فيقولون: لو شاء الله لأغنى فلاناً، ولو شاء الله لأعزَّ، ولو شاء الله لكان كذا. فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين، وبما كانوا يقولونه من تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى. وقيل: قالوا هذا تعلقاً بقول المؤمنين لهم: { أَنفِقُواْ مِمَّا رزَقَكُمُ ٱلله } أي فإذا كان الله رزقنا فهو قادر على أن يرزقكم فلم تلتمسون الرزق منا؟. وكان هذا الاحتجاج باطلاً لأن الله تعالى إذا ملّك عبداً مالاً ثم أوجب عليه فيه حقّاً فكأنه ٱنتزع ذلك القدر منه، فلا معنى للاعتراض. وقد صدقوا في قولهم: لو شاء الله أطعمهم ولكن كذبوا في الاحتجاج. ومثله قوله:سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } [الأنعام: 148]، وقوله:قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [المنافقون: 1]. { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } قيل: هو من قول الكفار للمؤمنين أي في سؤال المال وفي ٱتباعكم محمداً.

السابقالتالي
2 3