الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يسۤ } * { وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } * { إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ }

قوله تعالى: { يسۤ } في «يۤس» أوجه من القراءات: قرأ أهل المدينة والكسائي { يسۤ * وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } بإدغام النون في الواو. وقرأ أبو عمرو والأعمش وحمزة «يَسِنْ» بإظهار النون. وقرأ عيسى بن عمر «يَسِنَ» بنصب النون. وقرأ ٱبن عباس وٱبن أبي إسحاق ونصر بن عاصم «يسِنِ» بالكسر. وقرأ هارون الأعور ومحمد بن السَّمَيْقَع «يَسِنُ» بضم النون فهذه خمس قراءات. القراءة الأولى بالإدغام على ما يجب في العربية لأن النون تدغم في الواو. ومن بيّن قال: سبيل حروف الهجاء أن يوقف عليها، وإنما يكون الإدغام في الإدراج. وذكر سبيويه النصب وجعله من جهتين: إحداهما أن يكون مفعولاً ولا يصرفه لأنه عنده ٱسم أعجمي بمنزلة هابيل، والتقدير ٱذكر يسين. وجعله سيبويه ٱسماً للسورة. وقوله الآخر أن يكون مبنياً على الفتح مثل كيفَ وأينَ. وأما الكسر فزعم الفراء أنه مشبَّه بقول العرب جيرِ لا أفعل فعلى هذا يكون «يسِنِ» قسَما. وقاله ٱبن عباس. وقيل: مشبَّه بأمِس وحذامِ وهؤلاءِ ورقاشِ. وأما الضم فمشبّه بمنذُ وحيثُ وقطُّ، وبالمنادى المفرد إذا قلت يا رجلُ، لمن يقف عليه. قال ٱبن السَّمَيْقَع وهارون: وقد جاء في تفسيرها يا رجل فالأولى بها الضم. قال ٱبن الأنباري: «يۤس» وقف حسن لمن قال هو ٱفتتاح للسورة. ومن قال: معنى «يۤس» يا رجل لم يقف عليه. وروي عن ٱبن عباس وٱبن مسعود وغيرهما أن معناه يا إنسان، وقالوا في قوله تعالى:سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ } [الصافات: 130] أي على آل محمد. وقال سعيد بن جبير: هو ٱسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم ودليله «إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ». قال السيد الحميري:
يا نفس لا تَمحضِي بالنُّصْحِ جاهدةً   عَلَى المودَّةِ إلا آلَ ياسينَ
وقال أبو بكر الورّاق: معناه يا سيد البشر. وقيل: إنه ٱسم من أسماء الله قاله مالك. روى عنه أشهب قال: سألته هل ينبغي لأحد أن يتسمّى بياسين؟ قال: ما أراه ينبغي لقول الله: { يسۤ * وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } يقول هذا ٱسمي يۤس. قال ٱبن العربي هذا كلام بديع، وذلك أن العبد يجوز له أن يتسمَّى بٱسم الرب إذا كان فيه معنى منه كقوله: عالم وقادر ومريد ومتكلم. وإنما منع مالك من التسمية بـ «ـيسين» لأنه ٱسم من أسماء الله لا يُدْرى معناه فربما كان معناه ينفرد به الربّ فلا يجوز أن يقدم عليه العبد. فإن قيل فقد قال الله تعالى: { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ } قلنا: ذلك مكتوب بهجاء فتجوز التسمية به، وهذا الذي ليس بمتهجَّى هو الذي تكلم مالك عليه لما فيه من الإشكال والله أعلم. وقال بعض العلماء: ٱفتتح الله هذه السورة بالياء والسين وفيهما مجمع الخير: ودلّ المفتتح على أنه قلب، والقلب أمير على الجسد وكذلك «يۤس» أمير على سائر السور، مشتمل على جميع القرآن.

السابقالتالي
2 3