الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ }

فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَٱلْقَمَرَ } يكون تقديره وآيةٌ لهم القمرُ. ويجوز أن يكون «وَالْقَمَرُ» مرفوعاً بالابتداء. وقرأ الكوفيون «وَالْقَمَرَ» بالنصب على إضمار فعل وهو ٱختيار أبي عبيد. قال: لأن قبله فعلاً وبعده فعلاً قبله «نَسْلَخُ» وبعده «قَدَّرْنَاهُ». النحاس: وأهل العربية جميعاً فيما علمت على خلاف ما قال، منهم الفرّاء قال: الرفع أعجب إليّ، وإنما كان الرفع عندهم أولى لأنه معطوف على ما قبله ومعناه وآيةٌ لهم القمرُ. وقوله: إن قبله «نَسْلَخُ» فقبله ما هو أقرب منه وهو «تَجْرِي» وقبله «وَالشَّمْسُ» بالرفع. والذي ذكره بعده وهو «قَدَّرْنَاهُ» قد عمل في الهاء. قال أبو حاتم: الرفع أولى لأنك شغلت الفعل عنه بالضمير فرفعته بالابتداء. ويقال: القمر ليس هو المنازل فكيف قال { قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } ففي هذا جوابان: أحدهما قدّرناه ذا منازل مثل:وَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82]. والتقدير الآخر قدّرنا له منازل ثم حذفت اللام، وكان حذفها حسناً لتعدي الفعل إلى مفعولين مثلوَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً } [الأعراف: 155]. والمنازل ثمانية وعشرون منزلاً، ينزل القمر كل ليلة منها بمنزل وهي: الشَّرَطَان. البُطَيْن. الثُّرَيَّا. الدَّبَران. الهَقْعَة. الهنعة. الذِّراع. النَّثْرة. الطَّرْف. الْجَبْهة. الخَراتانِ. الصَّرْفة. العَوَّاء. السِّمَاك. الْغَفْر. الزُّبَانَيان. الإِكْليل. القَلْب. الشَّوْلة. النَّعَائم. البَلَدّة. سَعدْ الذَّابح. سَعدْ بُلَع. سَعْد السُّعود. سَعدْ الأَخْبِية. الفَرْغ المقدَّم. الفَرْغ المؤخَّر. بطن الحوت. فإذا صار القمر في آخرها عاد إلى أوّلها، فيقطع الفلك في ثمان وعشرين ليلة. ثم يَسْتَسِرُّ ثم يطلع هلالاً، فيعود في قطع الفلك على المنازل، وهي منقسمة على البروج لكل برج منزلان وثلث. فللحمَل الشَّرَطان والبُطَين وثلث الثريا، وللثور ثلثا الثريا والدَّبران وثلثا الهَقْعة، ثم كذلك إلى سائرها. وقد مضى في «الحجر» تسمية البروج والحمد لله. وقيل: إن الله تعالى خلق الشمس والقمر من نارٍ ثم كُسِيا النور عند الطلوع، فأما نور الشمس فمن نور العرش، وأما نور القمر فمن نور الكرسي، فذلك أصل الخلقة وهذه الكسوة. فأما الشمس فترِكت كسوتها على حالها لتشعشع وتشرق، وأما القمر فأمرَّ الروحُ الأمين جناحه على وجهه فمحا ضوءه بسلطان الجناح، وذلك أنه روح والروح سلطانه غالب على الأشياء. فبقي ذلك المحو على ما يراه الخلق، ثم جعل في غلاف من ماء، ثم جعل له مجرى، فكل ليلة يبدو للخلق من ذلك الغلاف قمراً بمقدار ما يقمِر لهم حتى ينتهي بدؤه، ويراه الخلق بكماله واستدارته. ثم لا يزال يعود إلى الغلاف كل ليلة شيء منه فينقص من الرؤية والإقمار بمقدار ما زاد في البدء. ويبتدىء في النقصان من الناحية التي لا تراه الشمس وهي ناحية الغروب حتى يعود كالعرجون القديم، وهو العِذْق المتقوِّس ليُبسه ودقته.

السابقالتالي
2