الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } * { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

قوله تعالى: { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } أي وعلامة دالة على توحيد الله وقدرته ووجوب إلاهِيَّته. والسلخ: الكشط والنزع يقال: سلخه الله من دينه، ثم تستعمل بمعنى الإخراج. وقد جعل ذهاب الضوء ومجيء الظلمة كالسلخ من الشيء وظهور المسلوخ فهي ٱستعارة. و { مُّظْلِمُونَ } داخلون في الظلام يقال: أظلمنا أي دخلنا في ظلام الليل، وأظهرنا دخلنا في وقت الظهر، وكذلك أصبحنا وأضحينا وأمسينا. وقيل: «مِنه» بمعنى عنه، والمعنى نسلخ عنه ضياء النهار. «فَإذَا هُمْ مُظْلِمُونَ» أي في ظلمة لأن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء فإذا خرج منه أظلم. قوله تعالى: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } يجوز أن يكون تقديره وآية لهم الشمس. ويجوز أن يكون «الشمس» مرفوعاً بإضمار فعل يفسره الثاني. ويجوز أن يكون مرفوعاً بالابتداء { تَجْرِي } في موضع الخبر أي جارية. وفي صحيح مسلم " عن أبي ذرّ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } قال «مستقرّها تحت العرش». وفيه عن أبي ذرّ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس»؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرّها تحت العرش فتخرّ ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها ٱرتفعي ٱرجعي من حيث جئتِ فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرّها ذاك تحت العرش فيقال لها ٱرتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون متى ذلكم ذاك حين { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَانِهَا خَيْراً } [الأنعام: 158]» " ولفظ البخاري عن أبي ذرّ " قال قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي ذرّ حين غربت الشمس: «تدري أين تذهب» قلت الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ٱرجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } » " ولفظ الترمذي عن أبي ذرّ قال: دخلت المسجد حين غابت الشمس والنبيّ صلى الله عليه وسلم جالس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذرّ أتدري أين تذهب هذه " قال قلت: الله ورسوله أعلم قال: " فإنها تذهب فتستأذنُ في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها ٱطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها " قال: ثم قرأ «ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا» قال وذلك قراءة عبد الله.

السابقالتالي
2