الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } * { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ } * { إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } * { قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } * { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } * { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ }

قوله تعالى: { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ } هو حبيب بن مري وكان نجارا. وقيل: إسكافاً. وقيل: قصّاراً. وقال ٱبن عباس ومجاهد ومقاتل: هو حبيب بن إسرائيل النجار وكان يَنْحَت الأصنام، وهو ممن آمن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة، كما آمن به تُبّع الأَكبر وورَقة بن نوفل وغيرهما. ولم يؤمن بنبيّ أحدٌ إلا بعد ظهوره. قال وهب: وكان حبيب مجذوماً، ومنزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، وكان يَعكِفُ على عبادة الأصنام سبعين سنة يدعوهم، لعلهم يرحمونه ويكشفون ضره فما ٱستجابوا له، فلما أبصر الرسل دعوه إلى عبادة الله فقال: هل من آية؟ قالوا: نعم، ندعو ربَّنا القادر فيفرج عنك ما بك. فقال: إن هذا لَعجب! أدعو هذه الآلهة سبعين سنة تفرِّج عني فلم تستطع، فكيف يفرجه ربكم في غداة واحدة؟ قالوا: نعم، ربُّنا على ما يشاء قدير، وهذه لا تنفع شيئاً ولا تضر. فآمن ودعوا ربهم فكشف الله ما به، كأن لم يكن به بأس فحينئذٍ أقبل على التكسب، فإذا أمسى تصدّق بكسبه، فأطعم عياله نصفاً وتصدّق بنصف، فلما همّ قومه بقتل الرسل جاءهم فـ { قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } الآية. وقال قتادة: كان يعبد الله في غارٍ، فلما سمع بخبر المرسلين جاء يسعى، فقال للمرسلين: أتطلبون على ما جئتم به أجراً؟ قالوا: لا ما أجرنا إلا على الله. قال أبو العالية: فاعتقد صدقهم وآمن بهم وأقبل على قومه فـ«ـقَالَ يَا قَوْمِ ٱتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ». { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً } أي لو كانوا متَّهَمين لطلبوا منكم المال { وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } فاهتدوا بهم. { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } قال قتادة: قال له قومه أنت على دينهم؟ٰ فقال: { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } أي خلقني. { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } وهذا ٱحتجاج منه عليهم. وأضاف الفطرة إلى نفسه لأن ذلك نعمة عليه توجب الشكر، والبعث إليهم لأن ذلك وعيد يقتضي الزجر فكان إضافة النعمة إلى نفسه أظهر شكراً، وإضافة البعث إلى الكافر أبلغ أثراً. { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً } يعني أصناماً. { إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ } يعني ما أصابه من السقم. { لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ } يخلصوني مما أنا فيه من البلاء { إِنِّيۤ إِذاً } يعني إن فعلت ذلك { لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي خسران ظاهر. { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } قال ٱبن مسعود: خاطب الرسل بأنه مؤمن بالله ربهم. ومعنى «فَاسْمَعُونِ» أي فٱشهدوا، أي كونوا شهودي بالإيمان. وقال كعب ووهب: إنما قال ذلك لقومه إني آمنت بربكم الذي كفرتم به. وقيل: إنه لما قال لقومه { ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً } رفعوه إلى الملك وقالوا: قد تبعت عدوّنا فطوّل معهم الكلام ليشغلهم بذلك عن قتل الرسل، إلى أن قال: { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ } فوثبوا عليه فقتلوه.

السابقالتالي
2 3 4