الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } * { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } * { قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } * { وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }

قوله تعالى: { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أُمِر أن يضرب لقومه مثلاً بأصحاب القرية هذه القرية هي أنطاكية في قول جميع المفسرين فيما ذكر الماوردي. نسبت إلى أهل أنطبيس وهو ٱسم الذي بناها ثم غُيِّر لما عُرِّب ذكره السهيلي. ويقال فيها: أنتاكية بالتاء بدل الطاء. وكان بها فرعون يقال له أنطيخس بن أنطيخس يعبد الأصنام ذكره المهدوي، وحكاه أبو جعفر النحاس عن كعب ووهب. فأرسل الله إليه ثلاثة: وهم صادق، وصدوق، وشلوم هو الثالث. هذا قول الطبري. وقال غيره: شمعون ويوحنا. وحكى النقاش: سمعان ويحيى، ولم يذكرا صادقاً ولا صدوقاً. ويجوز أن يكون «مَثَلاً» و «أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ» مفعولين لاضرب، أو «أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ» بدلاً من «مَثَلاً» أي ٱضرب لهم مثلَ أصحابِ القرية فحذف المضاف. أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار هؤلاء المشركين أن يحلّ بهم ما حلّ بكفار أهل القرية المبعوث إليهم ثلاثة رسل. قيل: رسل من الله على الابتداء. وقيل: إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء إلى الله، وهو قوله تعالى: { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ } وأضاف الربّ ذلك إلى نفسه لأن عيسى أرسلهما بأمر الربّ، وكان ذلك حين رُفع عيسى إلى السماء. { فَكَذَّبُوهُمَا } قيل ضربوهما وسجنوهما. { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } أي فقوّينا وشدّدنا الرسالة «بِثالِثٍ». وقرأ أبو بكر عن عاصم: «فَعَزَزْنَا بِثَالِثٍ» بالتخفيف وشدّد الباقون. قال الجوهري: وقوله تعالى: { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } يخفّف ويشدّد أي قوّينا وشدّدنا. قال الأصمعي: أنشدني فيه أبو عمرو بن العلاء للمتلمِّس:
أُجُدٌّ إذا رَحَلَت تَعَزَّزَ لَحْمُها   وإذا تُشَد بِنِسْعِها لا تَنْبِسُ
أي لا ترغو فعلى هذا تكون القراءتان بمعنًى. وقيل: التخفيف بمعنى غلبنا وقهرنا ومنه:وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } [صۤ: 23]. والتشديد بمعنى قوّينا وكثرنا. وفي القصة: أن عيسى أرسل إليهم رسولين، فلقيا شيخاً يرعى غُنيمات له وهو حبيب النجار صاحب «يۤس» فدعوه إلى الله وقالا: نحن رسولا عيسى ندعوك إلى عبادة الله. فطالبهما بالمعجزة فقالا: نحن نشفي المرضى وكان له ٱبن مجنون. وقيل: مريض على الفراش فمسحاه، فقام بإذن الله صحيحاً فآمن الرجل بالله. وقيل: هو الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، ففشا أمرهما، وشَفَيَا كثيراً من المرضى، فأرسل الملك إليهما ـ وكان يعبد الأصنام ـ يستخبرهما فقالا: نحن رسولا عيسى. فقال: وما آيتكما؟ قالا: نبرىء الأكمه والأبرص ونبرىء المريض بإذن الله، وندعوك إلى عبادة الله وحده. فهمَّ الملكُ بضربهما. وقال وهب: حبسهما الملك وجلدهما مائة جلدة فٱنتهى الخبر إلى عيسى فأرسل ثالثاً. قيل: شمعون الصفا رأس الحواريين لنصرهما فعاشر حاشية الملك حتى تمكن منهم، وٱستأنسوا به، ورفعوا حديثه إلى الملك فأنس به، وأظهر موافقته في دينه، فرضي الملك طريقته ثم قال يوماً للملك: بلغني أنك حبست رجلين دعواك إلى الله، فلو سألت عنهما ما وراءهما.

السابقالتالي
2 3