الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } هذا وعظ للمكذبين للرسول بعد إيضاح الدليل على صحة قوله: إن البعث والثواب والعقاب حق. { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } قال سعيد بن جُبير: غرور الحياة الدنيا أن يشتغل الإنسان بنعيمها ولذاتها عن عمل الآخرة، حتى يقول: يا ليتني قدّمت لحياتي. { وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } قال ابن السكيت وأبو حاتم: «الغَرور» الشيطان. وغرور جمع غَرّ، وغَرٌّ مصدر. ويكون «الغَرور» مصدراً وهو بعيد عند غير أبي إسحاق لأن «غررته» متعدّ، والمصدر المتعدّي إنما هو على فَعْل نحو: ضربته ضرباً، إلا في أشياء يسيرة لا يقاس عليها قالوا: لزمْته لُزوماً، ونَهَكه المرض نُهوكاً. فأما معنى الحرف فأحسن ما قيل فيه ما قاله سعيد بن جبير، قال: الغرور بالله أن يكون الإنسان يعمل بالمعاصي ثم يتمنّى على الله المغفرة. وقراءة العامة «الغَرور» بفتح الغين وهو الشيطان أي لا يغرّنكم بوساوسه في أنه يتجاوز عنكم لفضلكم. وقرأ أبو حَيْوة وأبو السَّمّال العدويّ ومحمد بن السَّمَيْقَع «الغُرور» برفع الغين وهو الباطل أي لا يغرّنكم الباطل. وقال ابن السكيت: والغُرور بالضم ما اغترّ به من متاع الدنيا. قال الزجاج: ويجوز أن يكون الغرور جمع غارّ مثل قاعد وقعود. النحاس: أو جمع غَرّ، أو يُشبّه بقولهم: نهكه المرض نهوكاً ولزمه لزوماً. الزمخشريّ: أو مصدر «غره» كاللزوم والنهوك.