الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } * { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ } لما ذكر أهل الجنة وأحوالهم ومقالتهم، ذكر أهل النار وأحوالهم ومقالتهم. { لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ } مثل:لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } [اطه: 74]. { وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } مثل:كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [النساء: 56]. { كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } أي كافر بالله ورسوله. وقرأ الحسن «فيموتون» بالنون، ولا يكون للنفي حينئذٍ جواب، ويكون «فيموتون» عطفاً على «يُقْضَى» تقديره لا يقضى عليهم ولا يموتون كقوله تعالى: { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ }. قال الكسائي: { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } بالنون في المصحف لأنه رأس آية و { لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ } لأنه ليس رأس آية. ويجوز في كل واحد منهما ما جاز في صاحبه. { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } أي يستغيثون في النار بالصوت العالي. والصراخ الصوت العالي، والصارخ المستغيث، والمصرِخ المغيث. قال:
كنا إذا ما أتانا صارخ فَزِعٌ   كان الصراخُ له قرَع الظَّنَابيب
{ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا } أي يقولون ربنا أخرجنا من جهنم وردّنا إلى الدنيا. { نَعْمَلْ صَالِحاً } قال ابن عباس: نقل: لا إله إلا الله. وهو معنى قولهم: { غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } أي من الشرك أي نؤمن بدل الكفر، ونطيع بدل المعصية، ونمتثل أمر الرسل. { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } هذا جواب دعائهم أي فيقال لهم، فالقول مضمر. وترجم البخاري: باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر لقوله عز وجل: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ } يعني الشيب حدّثنا عبد السلام بن مُطَهَّر قال حدّثنا عمر بن علي قال حدّثنا مَعْن بن محمد الغِفاري عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِيّ عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " أعذر الله إلى امرىء أخّر أجله حتى بلغه ستين سنة " قال الخَطّابي: «أعذر إليه» أي بلغ به أقصى العذر، ومنه قولهم: قد أعذر من أنذر أي أقام عذر نفسه في تقديم نذارته. والمعنى: أن من عمره الله ستين سنة لم يبق له عذر لأن الستين قريب من معترك المنايا، وهو سنُّ الإنابة والخشوع وترقُّب المنية ولقاء الله تعالى ففيه إعذار بعد إعذار، الأوّل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، والمَوْتانُ في الأربعين والستين. قال عليّ وابن عباس وأبو هريرة في تأويل قوله تعالى: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ }: إنه ستون سنة. وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في موعظته: " ولقد أبلغ في الإعذار من تقدّم في الإنذار وإنه لينادي منادٍ من قِبل الله تعالى أبناء الستين «أولم نعمركم ما يتذكّر فِيهِ من تذكَّر وجاءكم النذِير» "

السابقالتالي
2