الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

تقدم الكلام فيه، وهو مقطوع مما قبله. والأصل «تَوْزَر» حذفت الواو اتباعاً ليزر. { وَازِرَةٌ } نعت لمحذوف، أي نفس وازرة. وكذا { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا } قال الفرّاء: أي نفس مثقلة أو دابة. قال: وهذا يقع للمذكر والمؤنث. قال الأخفش: أي وإن تدع مثقلة إنساناً إلى حملها وهو ذنوبها. والحملْ ما كان على الظهر، والحمَلْ حمل المرأة وحملة النخلة حكاهما الكسائيّ بالفتح لا غير. وحكى ابن السِّكيت أن حمل النخلة يفتح ويكسر. { لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } التقدير على قول الأخفش: ولو كان الإنسان المدعوّ ذا قربى. وأجاز الفرّاء ولو كان ذو قربى. وهذا جائز عند سيبويه، ومثلهوَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } [البقرة: 280] فتكون «كان» بمعنى وقع، أو يكون الخبر محذوفاً أي وإن كان فيمن تطالبون ذو عسرة. وحكى سيبويه: الناس مجزيون بأعمالهم إن خير فخير على هذا. وخيراً فخير على الأوّل. وروي عن عكرمة أنه قال: بلغني أن اليهودي والنصرانيّ يرى الرجل المسلم يوم القيامة فيقول له: ألم أكن قد أسديت إليك يداً ألم أكن قد أحسنت إليك؟ فيقول بلى. فيقول: انفعني فلا يزال المسلم يسأل الله تعالى حتى ينقص من عذابه. وأن الرجل ليأتي إلى أبيه يوم القيامة فيقول: ألم أكن بك باراً، وعليك مشفقاً، وإليك محسناً، وأنت ترى ما أنا فيه، فهب لي حسنة من حسناتك، أو احمل عني سيئة فيقول: إن الذي سألتني يسير ولكني أخاف مثل ما تخاف. وأن الأب ليقول لابنه مثل ذلك فيرد عليه نحواً من هذا. وأن الرجل ليقول لزوجته: ألم أكن أحسن العِشرة لك، فاحملي عني خطيئة لعلي أنجو فتقول: إن ذلك ليسير ولكني أخاف مما تخاف منه. ثم تلا عكرمة: { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ }. وقال الفُضيل بن عياض: هي المرأة تلقى ولدها فتقول: يا ولدي، ألم يكن بطني لك وعاء، ألم يكن ثديي لك سقاء، ألم يكن حجري لك وطاء فيقول: بلى يا أماه فتقول: يا بنيّ، قد أثقلتني ذنوبي فاحمل عني منها ذنباً واحداً فيقول: إليكِ عني يا أماه، فإني بذنبي عنكِ مشغول. قوله تعالى: { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } أي إنما يقبل إنذارك من يخشى عقاب الله تعالى. وهو كقوله تعالى:إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } [يۤس: 11]. قوله تعالى: { وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ } أي من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه. وقرىء: «ومنِ ازَّكَّى فإنما يَزّكَّى لِنفسِهِ». { وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } أي إليه مرجع جميع الخلق.