الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ }

قوله تعالى: { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ } أي شفاعة الملائكة وغيرهم. { عِندَهُ } أي عندَ الله. { إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } قراءة العامة «أَذِنَ» بفتح الهمزة لذكر الله تعالى أولاً. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ «أُذِن» بضم الهمزة على ما لم يسم فاعله. والآذن هو الله تعالى. و«مَن» يجوز أن ترجع إلى الشافعين، ويجوز أن ترجع إلى المشفوع لهم. { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } قال ابن عباس: خُلّي عن قلوبهم الفزع. قطرب: أخرج ما فيها من الخوف. مجاهد: كشف عن قلوبهم الغطاء يوم القيامة أي إن الشفاعة لا تكون من أحد هؤلاء المعبودين من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام إلا أن الله تعالى يأذن للأنبياء والملائكة في الشفاعة وهم على غاية الفزع من الله كما قال:وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } [الأنبياء: 28]. والمعنى: أنه إذا أذن لهم في الشفاعة وورد عليهم كلام الله فزعوا لما يقترن بتلك الحال من الأمر الهائل والخوف أن يقع في تنفيذ ما أذن لهم فيه تقصير، فإذا سُرِّيَ عنهم قالوا للملائكة فوقهم وهم الذين يوردون عليهم الوحي بالإذن: { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } أي ماذا أمر الله به، فيقولون لهم: { قَالُواْ ٱلْحَقَّ } وهو أنه أذن لكم في الشفاعة للمؤمنين. { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } فله أن يحكم في عباده بما يريد. ثم يجوز أن يكون هذا إذناً لهم في الدنيا في شفاعة أقوام، ويجوز أن يكون في الآخرة. وفي الكلام إضمار أي ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ففزع لما ورد عليه من الإذن تهيّباً لكلام الله تعالى، حتى إذا ذهب الفزع عن قلوبهم أجاب بالانقياد. وقيل: هذا الفزع يكون اليوم للملائكة في كل أمر يأمر به الرب تعالى أي لا تنفع الشفاعة إلا من الملائكة الذين هم اليوم فزعون، مطيعون لله تعالى دون الجمادات والشياطين. وفي صحيح الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا قضى الله في السماء أمراً ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعاناً لقوله كأنها سلسلة على صَفْوانَ فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ـ قال ـ والشياطين بعضهم فوق بعض " قال: حديث حسن صحيح. وقال النوّاس بن سمعان قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله إذا أراد أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة أو رِعدة شديدة خوفاً من الله تعالى فإذا سمع أهل السموات ذلك صعِقوا وخروا لله تعالى سجداً فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله تعالى ويقول له من وحْيه ما أراد ثم يمرّ جبريل بالملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل فيقول جبريل قال الحق وهو العلي الكبير ـ قال ـ فيقول كلهم كما قال جبريل فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله تعالى "

السابقالتالي
2 3