الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } فيه أربع قراءات: قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر ويروى عن مجاهد، «ولَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ» بالتخفيف «إبليسُ» بالرفع «ظَنَّهُ» بالنصب أي في ظنه. قال الزجاج: وهو على المصدر أي صدق عليهم ظنًّا ظنه إذ صدق في ظنه فنصب على المصدر أو على الظرف. وقال أبو عليّ: «ظنَّه» نصب لأنه مفعول به أي صدق الظن الذي ظنه إذ قال:لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الأعراف: 16] وقال:لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [صۤ: 82] و[الحجر: 39] ويجوز تعدية الصدق إلى المفعول به، ويقال: صدق الحديثَ، أي في الحديث. وقرأ ابن عباس ويحيـى بن وثّاب والأعمش وعاصم وحمزة والكسائيّ: «صدّق» بالتشديد «ظنَّه» بالنصب بوقوع الفعل عليه. قال مجاهد: ظن ظناً فكان كما ظن فصدق ظنه. وقرأ جعفر بن محمد وأبو الهجهاج «صدَق عليهم» بالتخفيف «إبليسَ» بالنصب «ظنُّه» بالرفع. قال أبو حاتم: لا وجه لهذه القراءة عندي، والله تعالى أعلم. وقد أجاز هذه القراءة الفرّاء وذكرها الزجاج وجعل الظن فاعل «صدق» «إبليسَ» مفعول به والمعنى: أن إبليس سوّل له ظنه فيهم شيئاً فصدق ظنه، فكأنه قال: ولقد صدّق عليهم ظن إبليسَ. و«على» متعلقة بـ«صدق»، كما تقول: صدقت عليك فيما ظننته بك، ولا تتعلق بالظن لاستحالة تقدم شيء من الصلة على الموصول. والقراءة الرابعة: «وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ إبليسُ ظَنُّهُ» برفع إبليس والظن، مع التخفيف في «صدق» على أن يكون ظنه بدلاً من إبليس وهو بدل الاشتمال. ثم قيل: هذا في أهل سبأ، أي كفروا وغيّروا وبدّلوا بعد أن كانوا مسلمين إلا قوماً منهم آمنوا برسلهم. وقيل: هذا عام، أي صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله تعالى قاله مجاهد. وقال الحسن: لما أهبط آدم عليه السلام من الجنة ومعه حوّاء وهبط إبليس قال إبليس: أمّا إذ أصبتُ من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف! فكان ذلك ظناً من إبليس، فأنزل الله تعالى: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ }. وقال ابن عباس: إن إبليس قال: خُلقت من نار وخُلق آدم من طين والنار تحرق كل شيءلأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء:62] فصدق ظنه عليهم. وقال زيد بن أسلم: إن إبليس قال يا رب أرأيت هؤلاء الذين كرمتهم وشرّفتهم وفضّلتهم عليّ لا تجد أكثرهم شاكرين، ظناً منه فصدق عليهم إبليس ظنه. وقال الكلبي: إنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه وإن أضلهم أطاعوه، فصدق ظنه. { فَٱتَّبَعُوهُ } قال الحسن: ما ضربهم بسوط ولا بعصا وإنما ظن ظناً فكان كما ظن بوسوسته. { إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } نصب على الاستثناء، وفيه قولان: أحدهما أنه يراد به بعض المؤمنين، لأن كثيراً من المؤمنين من يذنب وينقاد لإبليس في بعض المعاصي، أي ما سلم من المؤمنين أيضاً إلا فريق وهو المعني بقوله تعالى:

السابقالتالي
2