الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً }

فيه تسع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } هذه الآية أزال الله تعالى بها أحكاماً كانت في صدر الإسلام منها: أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلّي على مَيّت عليه دَيْن، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن تُوُفِّيَ وعليه دَين فعليّ قضاؤه ومن ترك مالاً فلورثته " أخرجه الصحيحان. وفيهما أيضاً " فأيكم ترك دَيْناً أو ضَياعاً فأنا مولاه " قال ابن العربيّ: فانقلبت الآن الحال بالذنوب، فإن تركوا مالاً ضُويق العصبة فيه، وإن تركوا ضياعاً أسلموا إليه فهذا تفسير الولاية المذكورة في هذه الآية بتفسير النبيّ صلى الله عليه وسلم وتنبيهه ولا عِطْر بعد عَرُوس. قال ابن عطية: وقال بعض العلماء العارفين هو أوْلى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك، وهو يدعوهم إلى النجاة. قال ابن عطية: ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: " أنا آخِذ بحُجَزِكم عن النارِ وأنتم تقتحمون فيها تقحّم الفَراش ". قلت: هذا قول حسن في معنى الآية وتفسيرها، والحديث الذي ذُكر أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما مَثَلَي ومَثَل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت الدواب والفَراش يقعن فيه وأنا آخِذٌ بِحُجَزِكم وأنتم تَقَحّمُون فيه " وعن جابر مثله وقال: " وأنتم تَفَلَّتُون من يدي " قال العلماء: الْحُجْزَة للسراويل، والمَعْقِد للإزار فإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه. وهذا مثل لاجتهاد نبيَّنا عليه الصلاة والسلام في نجاتنا، وحرصه على تخلّصنا من الهلكات التي بين أيدينا فهو أوْلى بنا من أنفسنا ولجهلنا بقدر ذلك وغلبة شهواتنا علينا وظفر عدوّنا اللعين بناصِرنا أحقر من الفِراش وأذلّ من الفَراش، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم! وقيل: أولى بهم أي أنه إذا أمر بشيء ودعت النفس إلى غيره كان أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أوْلى. وقيل: أولى بهم أي هو أولى بأن يحكم على المؤمنين فينفذ حكمه في أنفسهم أي فيما يحكمون به لأنفسهم مما يخالف حكمه. الثانية: قال بعض أهل العلم: يجب على الإمام أن يقضي من بيت المال دين الفقراء اقتداءً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فإنه قد صرح بوجوب ذلك عليه حيث قال: " فعليّ قضاؤه " والضَّياع بفتح الضاد مصدر ضاع، ثم جعل اسماً لكل ما هو بصدد أن يضيع من عيال وبنين لا كافل لهم، ومال لا قَيّم له. وسمّيت الأرض ضَيعة لأنها معرّضة للضياع، وتجمع ضِياعاً بكسر الضاد.

السابقالتالي
2 3 4