الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً }

فيه خمس مسائل: الأولى: اختلف العلماء في أذِيّة الله بماذا تكون؟ فقال الجمهور من العلماء: معناه بالكفر ونسبة الصاحبة والولد والشريك إليه، ووصفه بما لا يليق به كقول اليهود لعنهم الله: وقالت اليهود يد الله مغلولة. والنصارى: المسيح ابن الله. والمشركون: الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه. وفي صحيح البخاريّ قال الله تعالى: " كذَّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك... " الحديث. وقد تقدّم في سورة «مريم». وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال الله تبارك وتعالى: " يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلّب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما " هكذا جاء هذا الحديث موقوفاً على أبي هريرة في هذه الرواية. وقد جاء مرفوعاً عنه: " يؤذيني ابن آدم يَسُبّ الدهر وأنا الدهر أقلّب الليل والنهار " أخرجه أيضاً مسلم. وقال عكرمة: معناه بالتصوير والتعرّض لفعل ما لا يفعله إلا الله بنحت الصور وغيرها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله المصوّرين " قلت: وهذا مما يقوّي قول مجاهد في المنع من تصوير الشجر وغيرها إذ كل ذلك صفة اختراع و تشبّه بفعل الله الذي انفرد به سبحانه وتعالى. وقد تقدّم هذا في سورة «النمل» والحمد لله. وقالت فرقة: ذلك على حذف مضاف، تقديره: يؤذون أولياء الله. وأما أذِيّة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي كل ما يؤذيه من الأقوال في غير معنًى واحد، ومن الأفعال أيضاً. أما قولهم: «فساحر. شاعر. كاهن مجنون. وأما فعلهم: فكسر رباعِيته وشج وجهه يوم أُحُد، وبمكة إلقاء السَّلَى على ظهره وهو ساجد» إلى غير ذلك. وقال ابن عباس: نزلت في الذين طعنوا عليه حين اتخذ صفية بنت حُيَيّ. وأطلق إيذاء الله ورسوله وقيّد إيذاء المؤمنين والمؤمنات، لأن إيذاء الله ورسوله لا يكون إلا بغير حق أبداً. وأما إيذاء المؤمنين والمؤمنات فمنه... ومنه... الثانية: قال علماؤنا: والطعن في تأمير أسامة بن زيد أذيّةٌ له عليه السلام. روى الصحيح عن ابن عمر قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً وأمّر عليهم أسامة بن زيد فطعن الناس في إمرته فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبلُ وايْمُ الله إن كان لخليقا للإمارة وإن كان لَمِن أحب الناس إليّ وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده» " وهذا البعث ـ والله أعلم ـ هو الذي جهّزه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أسامة وأمّره عليهم وأمَره أن يَغْزُوَ «أُبْنَى» وهي القرية التي عند مُؤْتَة، الموضع الذي قُتل فيه زيد أبوه مع جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رَوَاحة.

السابقالتالي
2 3