الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً }

فيه سبع مسائل: الأولى: اختلف العلماء في تأويل قوله: { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ } على أقوال سبعة: الأولى: أنها منسوخة بالسُّنة، والناسخ لها حديث عائشة، قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ له النساء. وقد تقدّم. الثاني: أنها منسوخة بآية أخرى، روى الطحاويّ عن أم سلمة قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ الله له أن يتزوج من النساء من شاء إلا ذات مَحْرم، وذلك قوله عز وجل: { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ }. قال النحاس: وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية وهو قول عائشة واحد في النسخ. وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحلّ له ذلك بالقرآن. وهو مع هذا قول عليّ بن أبي طالب وابن عباس وعليّ بن الحسين والضحاك. وقد عارض بعض فقهاء الكوفيين فقال محال أن تنسخ هذه الآية يعني: { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ } { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ } وهي قبلها في المصحف الذي أجمع عليه المسلمون. ورجح قول من قال نسخت بالسُّنّة. قال النحاس: وهذه المعارضة لا تلزم وقائلها غالط لأن القرآن بمنزلة سورة واحدة، كما صحّ عن ابن عباس: أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان. ويبين لك أن اعتراض هذا المعترض لا يلزم أن قوله عز وجل:وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } [البقرة: 240] منسوخة على قول أهل التأويل ـ لا نعلم بينهم خلافاً ـ بالآية التي قبلهاوَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } [البقرة: 234] الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم حظر عليه أن يتزوّج على نسائه لأنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة هذا قول الحسن وابن سيرين وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. قال النحاس: وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثم نسخ. الرابع: أنه لما حرم عليهن أن يتزوّجن بعده حُرم عليه أن يتزوج غيرهن قاله أبو أمامة بن سهل بن حُنَيف. الخامس: { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ } أي من بعد الأصناف التي سُميّت قاله أُبَيّ بن كعب وعكرمة وأبو رَزين، وهو اختيار محمد بن جرير. ومن قال إن الإباحة كانت له مطلقة قال هنا: «لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ» معناه لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات. وهذا تأويل فيه بُعْدٌ. وروي عن مجاهد وسعيد بن جُبير وعكرمة أيضاً. وهو القول السادس. قال مجاهد: لئلا تكون كافرة أمَّا للمؤمنين. وهذا القول يبعد لأنه يقدّره: من بعد المسلمات، ولم يجر للمسلمات ذكر. وكذلك قدّر «وَلاَ أَنْ تبَدَّلَ بِهِنَّ» أي ولا أن تطلق مسلمة لتستبدل بها كتابية.

السابقالتالي
2 3