الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً }

فيه إحدى عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: { تُرْجِي مَن تَشَآءُ } قرىء مهموزاً وغير مهموز، وهما لغتان، يقال: أرجيت الأمر وأرجأته إذا أخرته. { وَتُؤْوِيۤ } تَضُمّ، يقال: آوى إليه ممدودة الألف ضمّ إليه. وأوى مقصورة الألف انضمّ إليه. الثانية: واختلف العلماء في تأويل هذه الآية، وأصح ما قيل فيها. التوسعة على النبيّ صلى الله عليه وسلم في ترك القَسْم، فكان لا يجب عليه القَسْم بين زوجاته. وهذا القول هو الذي يناسب ما مضى، وهو الذي ثبت معناه في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغار على اللائي وهبن أنفُسَهُن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول: أوتهب المرأة نفسها لرجل؟ فلما أنزل الله عز وجل: { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ } قالت: قلت والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. قال ابن العربيّ: هذا الذي ثبت في الصحيح هو الذي ينبغي أن يعوّل عليه. والمعنى المراد: هو أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان مخيَّراً في أزواجه، إن شاء أن يَقْسِم قَسَم، وإن شاء أن يترك القَسم ترك. فخص النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن جعل الأمر إليه فيه لكنه كان يقسم من قِبل نفسه دون أن فرض ذلك عليه، تطييباً لنفوسهنّ، وصوناً لهنّ عن أقوال الغَيْرة التي تؤدي إلى ما لا ينبغي. وقيل: كان القَسْم واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسخ الوجوب عنه بهذا الآية. قال أبو رَزين: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد همّ بطلاق بعض نسائه فقلن له: اقسم لنا ما شئت. فكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، فكان قسمتهنّ من نفسه وماله سواء بينهنّ. وكان ممن أرجى سودة وجُوَيْرِية وأم حبيبة وميمونة وصفية فكان يقسم لهنّ ما شاء. وقيل: المراد الواهبات. روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله: «تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ» قالت: هذا في الواهبات أنفسهنّ. قال الشعبيّ: هنّ الواهبات أنفسهنّ تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم منهنّ وترك منهنّ. وقال الزُّهْري: ما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ أحداً من أزواجه، بل آواهن كلهن. وقال ابن عباس وغيره: المعنى في طلاق من شاء ممن حصل في عصمته، وإمساك من شاء. وقيل غير هذا. وعلى كلّ معنًى فالآية معناها التوسعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والإباحة. وما اخترناه أصح والله أعلم. الثالثة: ذهب هبة الله في الناسخ والمنسوخ إلى أن قوله: { تُرْجِي مَن تَشَآءُ } الآية، ناسخ لقوله:لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ } [الأحزاب: 52] الآية.

السابقالتالي
2 3 4