الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

فيه تسع عشرة مسألة: الأولى: روى السّدّي عن أبي صالح عن أم هانىء بنت أبي طالب قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ثم أنزل الله تعالى: { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ } قالت: فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر، كنت من الطُّلقاء. خرّجه أبو عيسى وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال ابن العربيّ: وهو ضعيف جداً، ولم يأتِ هذا الحديث من طريق صحيح يُحتجّ بها. الثانية: لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فاخترنه، حَرُم عليه التزوّج بغيرهن والاستبدال بهنّ، مكافأة لهن على فعلهن. والدليل على ذلك قوله تعالى: { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ } الآية. وهل كان يحلّ له أن يطلق واحدة منهن بعد ذلك؟ فقيل: لا يحل له ذلك جزاءً لهن على اختيارهن له. وقيل: كان يَحِلّ له ذلك كغيره من الناس ولكن لا يتزوّج بدلها. ثم نسخ هذا التحريم فأباح له أن يتزوّج بمن شاء عليهن من النساء، والدليل عليه قوله تعالى: { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ } والإحلال يقتضي تقدّم حَظْر. وزوجاته اللاتي في حياته لم يكنّ محرمات عليه، وإنما كان حرم عليه التزويج بالأجنبيات فانصرف الإحلال إليهن، ولأنه قال في سياق الآية { وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ } الآية. ومعلوم أنه لم يكن تحته أحد من بنات عمه ولا من بنات عماته ولا من بنات خاله ولا من بنات خالاته، فثبت أنه أحلّ له التزويج بهذا ابتداء. وهذه الآية وإن كانت مقدمة في التلاوة فهي متأخرة النزول على الآية المنسوخة بها، كآيتي الوفاة في «البقرة». وقد اختلف الناس في تأويل قوله تعالى: { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ } فقيل: المراد بها أن الله تعالى أحلّ له أن يتزوّج كل امرأة يؤتيها مهرها، قاله ابن زيد والضحاك. فعلى هذا تكون الآية مبيحة جميع النساء حاشا ذوات المحارم. وقيل: المراد أحلَلْنا لك أزواجك، أي الكائنات عندك، لأنهن قد اخترنك على الدنيا والآخرة، قاله الجمهور من العلماء. وهو الظاهر، لأن قوله: { آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } ماضٍ، ولا يكون الفعل الماضي بمعنى الاستقبال إلا بشروط. ويجيء الأمر على هذا التأويل ضيّقاً على النبيّ صلى الله عليه وسلم. ويؤيد هذا التأويل ما قاله ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج في أيّ الناس شاء، وكان يشقّ ذلك على نسائه، فلما نزلت هذه الآية وحرم عليه بها النساء إلا مَن سُمِّيَ، سُرّ نساؤه بذلك. قلت: والقول الأوّل أصح لما ذكرناه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6