الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً }

قوله تعالى: { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } فيه ثلاث مسائل: الأولى: قال العلماء: لما اختار نساءُ النبيّ صلى الله عليه وسلم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم شكرهنّ الله على ذلك فقال تكرمة لهن:لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } [الأحزاب: 52] الآية. وبين حكمهن عن غيرهن فقال:وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } [الأحزاب: 53]. وجعل ثواب طاعتهنّ وعقاب معصيتهنّ أكثر مما لغيرهنّ فقال: { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ }. فأخبر تعالى أن من جاء من نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم بفاحشة ـ والله عاصم رسوله عليه السلام من ذلك كما مر في حديث الإفك ـ «يضاعف لها العذاب ضعفين» لشرف منزلتهنّ وفضل درجتهنّ، وتقدّمهنّ على سائر النساء أجمع. وكذلك بيّنت الشريعة في غير ما موضع حسبما تقدّم بيانه غير مرة ـ أنه كلما تضاعفت الحُرُمات فهتِكت تضاعفت العقوبات ولذلك ضُوعف حدّ الحرّ على العبد والثّيب على البكر. وقيل: لما كان أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله ونواهيه، قوِي الأمر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن فضوعف لهنّ الأجر والعذاب. وقيل: إنما ذلك لعظم الضرر في جرائمهن بإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت العقوبة على قدر عظم الجريمة في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [الأحزاب: 57]. واختار هذا القول الكِيَا الطبري. الثانية: قال قوم: لو قُدّر الزنى من واحدة منهن ـ وقد أعاذهنّ الله من ذلك ـ لكانت تُحدّ حدّين لعظم قدرها، كما يزاد حدّ الحرة على الأمَة. والعذاب بمعنى الحدّ، قال الله تعالى:وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النور: 2]. وعلى هذا فمعنى الضعفين معنى المِثلين أو المرتين. وقال أبو عبيدة: ضِعف الشيء شيئان حتى يكون ثلاثة. وقاله أبو عمرو فيما حكى الطبريّ عنه فيضاعف إليه عذابان مثله فيكون ثلاثة أعذبة. وضعّفه الطبري. وكذلك هو غير صحيح وإن كان له باللفظ تعلّق الاحتمال. وكون الأجر مرتين مما يفسد هذا القول لأن العذاب في الفاحشة بإزاء الأجر في الطاعة قاله ابن عطية. وقال النحاس: فرق أبو عمرو بين «يُضَاعف ويضعَّف» قال: «يُضَاعَف» للمرار الكثيرة. و«يضعّف» مرتين. وقرأ «يضعَّف» لهذا. وقال أبو عبيدة: «يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ» يجعل ثلاثة أعذبة. قال النحاس: التفريق الذي جاء به أبو عمرو وأبو عبيدة لا يعرفه أحد من أهل اللغة علِمته، والمعنى في «يضاعف ويضعَّف» واحد أي يجعل ضعفين كما تقول: إن دفعت إليّ درهماً دفعت إليك ضِعْفَيه أي مِثْلَيه يعني درهمين.

السابقالتالي
2