الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً }

قوله تعالى: { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا } وهي البيوت أو المدينة أي من نواحيها وجوانبها، الواحد قُطْر، وهو الجانب والناحية. وكذلك القُتْر لغة في القطر. { ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا } أي لجاؤوها هذا على قراءة نافع وابن كثير بالقصر. وقرأ الباقون بالمدّ أي لأعطوها من أنفسهم، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم. وقد جاء في الحديث: أن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يعذَّبون في الله ويُسألون الشرك، فكلٌّ أعطى ما سألوه إلا بلالاً. وفيه دليل على قراءة المدّ، من الإعطاء. ويدل على قراءة القصر قوله: { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } فهذا يدل على «لأَتَوْهَا» مقصوراً. وفي «الفتنة» هنا وجهان: أحدهما سُئلوا القتال في العصبية لأسرعوا إليه قاله الضحاك. الثاني: ثم سئلوا الشرك لأجابوا إليه مسرعين قاله الحسن. { وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ } أي بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلاً حتى يهلكوا قاله السّدِّي والقُتَيبِيّ والحسن والفراء. وقال أكثر المفسرين: أي وما احتبسوا عن فتنة الشرك إلا قليلاً ولأجابوا بالشرك مسرعين وذلك لضعف نياتهم ولفرط نفاقهم فلو اختلطت بهم الأحزاب لأظهروا الكفر.