الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }

قوله تعالى: { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ } قال ابن عباس: يُنزل القضاءَ والقدر. وقيل: ينزل الوحي مع جبريل. وروى عمرو بن مرّة عن عبد الرحمن بن سابط قال: يدبّر أمر الدنيا أربعة: جبريل، وميكائيل، ومَلَك الموت، وإسرافيل صلوات الله عليهم أجمعين. فأما جبريل فموكّل بالرياح والجنود. وأما ميكائيل فموكّل بالقطر والماء. وأما مَلَك الموت فموكّل بقبض الأرواح. وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم. وقد قيل: إن العرش موضع التدبير كما أن ما دون العرش موضع التفصيل قال الله تعالى:ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } [الرعد: 2]. وما دون السموات موضع التصريف قال الله تعالى:وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ } [الفرقان: 50]. قوله تعالى: { ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } قال يحيـى بن سلام: هو جبريل يصعَد إلى السماء بعد نزوله بالوحي. النقاش: هو الملَك الذي يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض. وقيل: إنها أخبار أهل الأرض تصعَد إليه مع حملتها من الملائكة قاله ابن شجرة. { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }. وقيل: «ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ» أي يرجع ذلك الأمر والتدبير إليه بعد انقضاء الدنيا { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ } وهو يوم القيامة. وعلى الأقوال المتقدّمة فالكناية في «يَعْرُجُ» كناية عن الملَك، ولم يجر له ذكر لأنه مفهوم من المعنى، وقد جاء صريحاً في «سَأَلَ سَائِلٌ» قوله:تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ } [المعارج: 4]. والضمير في { إِلَيْهِ } يعود على السماء على لغة من يذكّرها، أو على مكان الملك الذي يرجع إليه، أو على اسم الله تعالى والمراد إلى الموضع الذي أقره فيه، وإذا رجعت إلى الله فقد رجعت إلى السماء، أي إلى سدرة المنتهى فإنه إليها يرتفع ما يصعد به من الأرض ومنها ينزل ما يهبط به إليها ثبت معنى ذلك في صحيح مسلم. والهاء في «مِقْدَارُهُ» راجعة إلى التدبير والمعنى: كان مقدار ذلك التدبير ألفَ سنة من سني الدنيا أي يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد، ثم يلقيه إلى ملائكته، فإذا مضت قضى لألف سنة أخرى، ثم كذلك أبداً قاله مجاهد. وقيل: الهاء للعروج. وقيل: المعنى أنه يدبّر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه ذلك الأمر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة. وقيل: المعنى يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع، في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة. وقال ابن عباس: المعنى كان مقداره لو ساره غير الملَك ألف سنة لأن النزول خمسمائة والصعود خمسمائة. وروي ذلك عن جماعة من المفسرين، وهو اختيار الطبريّ ذكره المهدويّ.

السابقالتالي
2