الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ }

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } أي أولم يعلموا كمال قدرتنا بسَوْقنا الماء إلى الأرض اليابسة التي لا نبات فيها لنحييها. الزّمَخْشَرِيّ: الجرز الأرض التي جُرِز نباتها، أي قُطع إما لعدم الماء وإما لأنه رُعِيَ وأزيل. ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ جُرُز ويدلّ عليه قوله تعالى: { فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً } قال ابن عباس: هي أرض باليمن. وقال مجاهد: هي أَبْيَن. وقال عكرمة: هي الأرض الظمآى. وقال الضحاك: هي الأرض الميتة العَطْشَى. وقال الفراء: هي الأرض التي لا نبات فيها. وقال الأصمعِيّ: هي الأرض التي لا تنبت شيئاً. وقال محمد بن يزيد: يبعد أن تكون لأرض بعينها لدخول الألف واللام إلا أنه يجوز على قول من قال: العباس والضحاك. والإسناد عن ابن عباس صحيحٌ لا مطعن فيه. وهذا إنما هو نعت والنعت للمعرفة يكون بالألف واللام وهو مشتق من قولهم: رجل جَروز إذا كان لا يبقي شيئاً إلا أكله. قال الراجز:
خِبّ جَروز وإذا جاع بكى   ويأكل التمر ولا يُلقي النَّوَى
وكذلك ناقةٌ جروز: إذا كانت تأكل كل شيء تجده. وسيف جُراز: أي قاطع ماضٍ. وَجَرَزتِ الجراد الزرع: إذا استأصلته بالأكل. وحكى الفرّاء وغيره أنه يقال: أرض جُرْز وجُرُز وجَرْز وجَرَز. وكذلك بخل ورغب ورهب في الأربعة أربع لغات. وقد روي أن هذه الأرض لا أنهار فيها، وهي بعيدة من البحر، وإنما يأتيها في كل عام وِدَان فيزرعون ثلاث مرات في كل عام. وعن مجاهد أيضاً: أنها أرض النيل. { فَنُخْرِجُ بِهِ } أي بالماء. { زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ } من الكلأ والحشيش. { وَأَنفُسُهُمْ } من الحبّ والخضر والفواكه. { يُبْصِرُونَ } هذا فيعلمون أنا نقدر على إعادتهم. و«فَنُخْرِجُ» يكون معطوفاً على «نَسُوقُ» أو منقطعاً مما قبله. «تَأْكُلُ مِنْهُ أَنعَامهم» في موضع نصب على النعت.