الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }

فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ } لما ذكر استبعادهم للبعث ذكر توفّيهم وأنه يعيدهم. { يَتَوَفَّاكُم } من توفى العدد والشيء إذا استوفاه وقبضه جميعاً. يقال: توفاه الله أي استوفى روحه ثم قبضه. وتوفيت مالي من فلان أي استوفيته. { مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ } واسمه عزرائيل ومعناه عبد الله كما تقدّم في «البقرة». وتصرّفه كلّه بأمر الله تعالى وبخلقه واختراعه. وروي في الحديث: " أن البهائم كلّها يتوفّى الله أرواحها دون مَلَك الموت " كأنه يعدم حياتها ذكره ابن عطية. قلت: وقد روي خلافه، وأن مَلَك الموت يتوفّى أرواح جميع الخلائق حتى البرغوث والبعوضة. روى جعفر بن محمد عن أبيه قال: " نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مَلَك الموت عند رأس رجل من الأنصار، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ارفق بصاحبي فإنه مؤمن» فقال مَلَك الموت عليه السلام: «يا محمد، طِب نفساً وقَرّ عَيْناً فإني بكل مؤمن رفيق. واعلم أن ما من أهل بيت مَدَر ولا شعر في بَر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى لأنا أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم. والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها» " قال جعفر بن عليّ: بلغني أنه يتصفّحهم عند مواقيت الصلوات ذكره الماورديّ. وذكر الخطيب أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت البغداديّ قال: حدّثني أبو محمد الحسن بن محمد الخلال قال: حدّثنا أبو محمد عبد الله بن عثمان الصفّار قال حدّثنا أبو بكر حامد المصري قال حدّثنا يحيـى بن أيوب العلاف قال حدثنا سليمان بن مُهير الكلابيّ قال: حضرت مالك بن أنس رضي الله عنه فأتاه رجل فسأله: أبا عبد الله، البراغيث أمَلَك الموت يقبض أرواحها؟ قال: فأطرق مالك طويلاً ثم قال: ألها أنفس؟ قال: نعم. قال: مَلَك الموت يقبض أرواحهاٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } [الزمر: 42]. قال ابن عطية بعد ذكره الحديث: وكذلك الأمر في بني آدم، إلا أنه نوعٌ شُرِّف بتصرف مَلَك وملائكة معه في قبض أرواحهم. فخلق الله تعالى مَلَك الموت وخلق على يديه قبض الأرواح، واستلالها من الأجسام وإخراجها منها. وخلق الله تعالى جنداً يكونون معه يعملون عمله بأمره فقال تعالى:وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [الأنفال: 50]، وقال تعالى: { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } وقد مضى هذا المعنى في «الأنعام». والبارىء خالق الكل، الفاعل حقيقة لكل فعل قال الله تعالى: { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا }.ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } [الملك: 2]. { يُحْيِـي وَيُمِيتُ }. فملك الموت يقبض والأعوان يعالجون والله تعالى يُزْهِق الروح.

السابقالتالي
2