الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } «مَنْ» في موضع رفع بالابتداء. و«لَهْوَ الْحَدِيثِ»: الغناء في قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما. النحاس: وهو ممنوع بالكتاب والسنة والتقدير: من يشتري ذا لهو أو ذات لهو مثل:وَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82]. أو يكون التقدير: لما كان إنما اشتراها يشتريها ويبالغ في ثمنها كأنه اشتراها للّهو. قلت: هذه إحدى الآيات الثلاث التي استدلّ بها العلماء على كراهة الغناء والمنع منه. والآية الثانية قوله تعالى:وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } [النجم: 61]. قال ابن عباس: هو الغناء بالْحِمْيَرِيّة اسمدي لنا أي غنّي لنا. والآية الثالثة قوله تعالى:وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } [الإسراء: 64] قال مجاهد: الغناء والمزامير. وقد مضى في «سبحان» الكلام فيه. وروى الترمذِيّ عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبيعوا القَيْنَات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام، في مثل هذا أنزلت هذه الآية: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } " إلى آخر الآية. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، إنما يُروى من حديث القاسم عن أبي أمامة، والقاسم ثقة وعليّ بن يزيد يضعّف في الحديث قاله محمد بن إسماعيل. قال ابن عطية: وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد، وذكره أبو الفرج الْجَوْزي عن الحسن وسعيد ابن جبير وقتادة والنَّخَعِيّ. قلت: هذا أعلى ما قيل في هذه الآية، وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذي لا إلٰه إلا هو ثلاث مرات إنه الغناء. روى سعيد بن جُبير عن أبي الصَّهباء البكري قال: سئل عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } فقال: الغناء والله الذي لا إلٰه إلا هو يرددها ثلاث مرات. وعن ابن عمر أنه الغناء وكذلك قال عكرمة وميمون بن مهران ومكحول. وروى شعبة وسفيان عن الحكم وحماد عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب وقاله مجاهد، وزاد: إنّ لهو الحديث في الآية الاستماع إلى الغناء وإلى مثله من الباطل. وقال الحسن: لهو الحديث المعازِف والغناء. وقال القاسم بن محمد: الغناء باطل والباطل في النار. وقال ابن القاسم سألت مالكاً عنه فقال: قال الله تعالى:فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } [يونس: 32] أفحق هو؟! وترجم البخاري بَابٌ كلُّ لهو باطلٌ إذا شغل عن طاعة الله، ومن قال لصاحبه تعال أقامِرْك، وقوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً } فقوله: «إذَا شَغَل عن طاعة الله» مأخوذ من قوله تعالى: { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ }.

السابقالتالي
2 3 4 5