الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ }

زعم الفراء أن هذا معنى النفي أي ما يعلمه أحد إلا الله تعالى. قال أبو جعفر النحاس: وإنما صار فيه معنى النفي والإيجاب بتوقيف الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك " لأنه صلى الله عليه وسلم قال: في قول الله عز وجل: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } [الأنعام: 59] «إنها هذه» " قلت: قد ذكرنا في سورة «الأنعام» حديث ابن عمر في هذا، خرجه البخاري. و " في حديث جبريل عليه السلام قال: «أخبرني عن الساعة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، هن خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً» قال: «صدقت» " لفظ أبي داود الطيالسيّ. وقال عبد الله بن مسعود: كل شيء أوتي نبيّكم صلى الله عليه وسلم غير خمس: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } ، الآية إلى آخرها. وقال ابن عباس: هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى، ولا يعلمها ملَك مقرّب ولا نبيّ مرسل فمن ادّعى أنه يعلم شيئاً من هذه فقد كفر بالقرآن لأنه خالفه. ثم إن الأنبياء يعلمون كثيراً من الغيب بتعريف الله تعالى إياهم. والمراد إبطال كون الكهنة والمنجمين ومن يستسقي بالأنواء وقد يعرف بطول التجارِب أشياء من ذكورة الحمل وأنوثته إلى غير ذلك حسبما تقدّم ذكره في الأنعام. وقد تختلف التجربة وتنكسر العادة ويبقى العلم لله تعالى وحده. وروي أن يهودياً كان يحسب حساب النجوم، فقال لابن عباس: إن شئت نبّأتك نجم ابنك، وأنه يموت بعد عشرة أيام، وأنت لا تموت حتى تعمى، وأنا لا يحول عليّ الحول حتى أموت. قال: فأين موتك يا يهوديّ؟ فقال: لا أدري. فقال ابن عباس: صدق الله: { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } فرجع ابن عباس فوجد ابنه محموماً، ومات بعد عشرة أيام. ومات اليهوديّ قبل الحول، ومات ابن عباس أعمى. قال عليّ بن الحسين راوي هذا الحديث: هذا أعجب الأحاديث. وقال مقاتل: إن هذه الآية نزلت في رجل من أهل البادية اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة، أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد، وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث، وقد علمتُ متى وُلدت فأخبرني متى أموت، وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ماذا أعمل غداً، وأخبرني متى تقوم الساعة؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ذكره القُشَيْرِي والماوَرْدِيّ. وروى أبو المَلِيح عن أبي عَزّة الهُذلِيّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله تعالى قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة فلم ينته حتى يَقْدَمَها ـ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ ـ إلى قوله ـ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } "

السابقالتالي
2