الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

فيه ثماني مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ } هاتان الآيتان اعتراض بين أثناء وصيّة لقمان. وقيل: إن هذا مما أوصى به لقمان ابنَه أخبر الله به عنه أي قال لقمان لابنه: لا تشرك بالله ولا تطع في الشرك والديك، فإن الله وصّى بهما في طاعتهما مما لا يكون شركاً ومعصية لله تعالى. وقيل: أي وإذ قال لقمان لابنه فقلنا للقمان فيما آتيناه من الحكمة ووصينا الإنسان بوالديه أي قلنا له اشكر لله، وقلنا له ووصينا الإنسان. وقيل: وإذ قال لقمان لابنه لا تشرك، ونحن وصينا الإنسان بوالديه حسناً، وأمرنا الناس بهذا، وأمر لقمان به ابنه ذكر هذه الأقوال القشيريّ. والصحيح أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وَقّاص كما تقدم في «العنكبوت» وعليه جماعة المفسرين. وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات، ويستحسن في ترك الطاعات الندب ومنه أمر الجهاد الكفاية، والإجابة للأم في الصلاة مع إمكان الإعادة على أن هذا أقوى من الندب لكن يعلل بخوف هلكة عليها، ونحوه مما يبيح قطع الصلاة فلا يكون أقوى من الندب. وخالف الحسن في هذا التفصيل فقال: إن منعته أمّه من شهود العِشاء شفقة فلا يطعها. الثانية: لما خصّ تعالى الأم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب، وللأب واحدة وأشبه ذلك " قوله صلى الله عليه وسلم حين قال له رجل: من أَبَرّ؟ قال: «أمّك» قال: ثم من؟ قال: «أمك» قال ثم من؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أبوك» " فجعل له الرّبع من المَبَرَّة كما في هذه الآية وقد مضى هذا كله في «سبحان». الثالثة: قوله تعالى: { وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } أي حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفاً على ضعف. وقيل: المرأة ضعِيفة الخلقة ثم يُضعفها الحمل. وقرأ عيسى الثَّقَفيّ: «وَهَناً على وَهَن» بفتح الهاء فيهما ورويت عن أبي عمرو، وهما بمعنًى واحد. قال قَعْنَب بن أم صاحب:
هل للعواذل من ناهٍ فَيزْجُرَها   إن العواذل فيها الأَيْن والوَهَن
يقال: وَهَن يَهِن، ووَهُن يَوْهَنُ ووَهِن، يَهِن مثلُ وَرِمَ يَرِم. وانتصب «وَهْناً» على المصدر ذكره القشيري. النحاس: على المفعول الثاني بإسقاط حرف الجر أي حملته بضعف على ضعف. وقرأ الجمهور: «وَفِصَالُهُ» وقرأ الحسن ويعقوب: «وفَصْله» وهما لغتان، أي وفصاله في انقضاء عامين والمقصود من الفصال الفطام، فعبّر بغايته ونهايته. ويقال: انفصل عن كذا أي تميّز وبه سُمِّيَ الفَصِيل. الرابعة: الناس مُجْمِعون على العامين في مدة الرضاع في باب الأحكام والنفقات، وأما في تحريم اللبن فحدّدت فرقة بالعام لا زيادة ولا نقص.

السابقالتالي
2