الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }

قوله تعالى: { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } لأن كلامه صدق. { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } وهم الكفار وهم أكثر. وقيل: المراد مشركو مكة. وانتصب «وَعْدَ اللَّهِ» على المصدر أي وعد ذلك وعداً. ثم بيّن تعالى مقدار ما يعلمون فقال: { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } يعني أمر معايشهم ودنياهم: متى يزرعون ومتى يحصدون، وكيف يغرِسون وكيف يبنون قاله ابن عباس وعِكرمة وقتادة. وقال الضحاك: هو بنيان قصورها، وتشقيق أنهارها وغرس أشجارها والمعنى واحد. وقيل: هو ما تلقيه الشياطين إليهم من أمور الدنيا عند استراقهم السمع من سماء الدنيا قاله سعيد بن جبير. وقيل: الظاهر والباطن كما قال في موضع آخرأَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ } [الرعد: 33]. قلت: وقول ابن عباس أشبه بظاهر الحياة الدنيا، حتى لقد قال الحسن: بلغ والله من علم أحدهم بالدنيا أنه ينقد الدرهم فيخبرك بوزنه ولا يحسن أن يصلي. وقال أبو العباس المبرِّد: قسم كسرى أيامه فقال: يصلح يوم الريح للنوم، ويوم الغيم للصيد، ويوم المطر للشرب واللهو، ويوم الشمس للحوائج. قال ابن خالَوَيْه: ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا. { وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ } أي عن العلم بها والعمل لها { هُمْ غَافِلُونَ } قال بعضهم:
ومن البليّة أن ترى لك صاحباً   في صورة الرجل السميع المبصر
فطنٍ بكل مصيبة في ماله   وإذا يصاب بدينه لم يشعر