الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } * { فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } * { فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ } روى الترمذِيّ عن أبي سعيد الخُدْريّ قال: لما كان يوم بدرٍ ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك الْمُوْمِنِينَ فنزلت: { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ } ـ إلى قوله ـ { يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ ٱللَّهِ }. قال: ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس. قال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. هكذ قرأ نصر بن عليّ الجَهْضَمِيّ «غَلَبَتِ الرُّومُ». ورواه أيضاً من حديث ابن عباس بأتمّ منه: قال ابن عباس في قول الله عز وجل: { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ } قال: غَلَبَتِ وغُلِبَتِ، قال: " كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب فذكروه لأبي بكر فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أما إنهم سيغلِبون» فذكره أبو بكر لهم فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا كان لنا كذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا فجعل أجل خمس سنين، فلم يظهروا فذكر ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا جعلته إلى دون» " ـ أراه قال العشر ـ قال: قال أبو سعيد: والبِضع ما دون العشرة. قال: ثم ظهرت الروم بعد، قال: فذلك قوله: { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } ـ إلى قوله ـ { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ ٱللَّهِ }. قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. ورواه أيضاً عن نِيَار بن مُكْرَم الأسْلَمِيّ قال: لما نزلت: { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ } وكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك نزل قول الله تعالى: { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمانٍ ببعثٍ، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصِيح في نواحي مكة: { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ }. قال ناس من قريش لأبي بكر: فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين! أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى. وذلك قبل تحريم الرِّهان، فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرّهان. وقالوا لأبي بكر: كم تجعل البِضع؟ ثلاث سنين إلىٰ تسع سنين؟ فَسمِّ بيننا وبينك وسطاً تنتهي إليه قال فسَمَّوا بينهم ستّ سنين قال: فمضت الست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين، قال: لأن الله تعالى قال: { فِي بِضْعِ سِنِينَ } قال: وأسلم عند ذلك ناس كثير.

السابقالتالي
2 3 4 5