الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ }

قوله تعالى: { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } فيه أربع مسائل: الأولى: لمّا ذكر ما يراد به وجهه ويثيب عليه ذكر غير ذلك من الصفة وما يراد به أيضاً وجهه. وقرأ الجمهور: «آتَيْتُمْ» بالمد بمعنى أعطيتم. وقرأ ابن كثير ومجاهد وحُميد بغير مدّ بمعنى ما فعلتم من رِباً لِيَرْبُوَ كما تقول: أتيت صواباً وأتيت خطأ. وأجمعوا على المدّ في قوله: { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً }. والربا الزيادة وقد مضى في «البقرة» معناه، وهو هناك محرّم وهاهنا حلال. وثبت بهذا أنه قسمان: منه حلال ومنه حرام. قال عكرمة في قوله تعالى: { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ } قال: الرِّبَا رِبَوان، ربا حلال وربا حرام فأما الرّبا الحلال فهو الذي يُهْدَى، يُلتمس ما هو أفضل منه. وعن الضحاك في هذه الآية: هو الرّبا الحلال الذي يُهدى ليُثاب ما هو أفضل منه، لا له ولا عليه، ليس له فيه أجر وليس عليه فيه إثم. وكذلك قال ابن عباس: «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً» يريد هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر صاحبه ولكن لا إثم عليه، وفي هذا المعنى نزلت الآية. قال ابن عباس وابن جُبير وطاوس ومجاهد: هذه آية نزلت في هبة الثواب. قال ابن عطية: وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه كالسلام وغيره فهو وإن كان لا إثم فيه فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله تعالى. وقاله القاضي أبو بكر بن العربي. وفي كتاب النَّسائي عن عبد الرحمن بن علقمة قال: " قدم وفد ثَقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم هديّة فقال: «أهدية أم صدقة فإن كانت هدية فإنما يُبْتَغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة، وإن كانت صدقة فإنما يُبْتَغى بها وجه الله عز وجل» قالوا: لا بل هدية فقبلها منهم وقعد معهم يسائلهم ويسألونه " وقال ابن عباس أيضاً وإبراهيم النَّخعِي: نزلت في قوم يُعطون قراباتهم وإخوانهم على معنى نفعهم وتمويلهم والتفضّل عليهم، وليزيدوا في أموالهم على وجه النفع لهم. وقال الشّعْبي: معنى الآية أن ما خدم الإنسان به أحداً وخف له لينتفع به في دنياه فإن ذلك النفع الذي يَجزِي به الخدمة لا يربو عند الله. وقيل: كان هذا حراماً على النبيّ صلى الله عليه وسلم على الخصوص قال الله تعالى:وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [المدثر: 6] فنهي أن يعطي شيئاً فيأخذ أكثر منه عِوضاً. وقيل: إنه الربا المحرّم فمعنى: «لاَ يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ» على هذا القول لا يحكم به لآخذه بل هو للمأخوذ منه.

السابقالتالي
2 3