الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } * { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }

قوله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } أي من علامات رُبُوبِيَّته ووَحْدانيّته أن خلقكم من تراب أي خلق أباكم منه والفرع كالأصل، وقد مضى بيان هذا في «الأنعام». و«أنْ» في موضع رفع بالابتداء وكذاأَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } [الروم: 21]. { ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } ثم أنتم عقلاء ناطقون تتصرفون فيما هو قِوام معايشكم، فلم يكن ليخلقكم عَبَثاً ومن قدر على هذا فهو أهل للعبادة والتسبيح. ومعنى: { خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } أي نساء تسكنون إليها. { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } أي من نطف الرجال ومن جنسكم. وقيل: المراد حوّاء، خلقها من ضِلع آدم قاله قتادة. { وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } قال ابن عباس ومجاهد: المودّة الجماع، والرحمة الولد وقاله الحسن. وقيل: المودّة والرحمة عطفُ قلوبهم بعضهم على بعض. وقال السدي: المودةُ: المحبةُ، والرحمةُ: الشفقةُ ورُوي معناه عن ابن عباس قال: المودّة حبُّ الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء. ويقال: إن الرجل أصله من الأرض، وفيه قوّة الأرض، وفيه الفرج الذي منه بُدىء خلقه فيحتاج إلى سَكَن، وخُلقت المرأة سكناً للرجل قال الله تعالى:وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } [الروم: 20] الآية. وقال: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا } فأوّل ارتفاق الرجل بالمرأة سكونه إليها مما فيه من غليان القوّة، وذلك أن الفرج إذا تحمل فيه هيَّج ماء الصلب إليه، فإليها يسكن وبها يتخلص من الهِياج، وللرجال خُلق البُضع منهنّ، قال الله تعالى:وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } [الشعراء: 166] فأعلم الله عز وجل الرجال أن ذلك الموضع خلق منهن للرجال، فعليها بذله في كل وقت يدعوها الزوج، فإن منعته فهي ظالمة وفي حرج عظيم ويكفيك من ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها " وفي لفظ آخر: " إذا باتت المرأة هاجرة فِراش زوجِها لعنتها الملائكة حتى تُصبِح " { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } تقدّم في «البقرة» وكانوا يعترفون بأن الله تعالى هو الخالق. { وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ } اللّسان في الفم وفيه اختلاف اللغات: من العربيّة والعجمية والتركية والرومية. واختلاف الألوان في الصور: من البياض والسواد والحمرة فلا تكاد ترى أحداً إلا وأنت تفرّق بينه وبين الآخر. وليس هذه الأشياء من فعل النطفة ولا من فعل الأبوين فلا بد من فاعل، فعُلِم أن الفاعل هو الله تعالى فهذا من أدلّ دليل على المدبر البارىء. { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ } أي للبَرّ والفاجر.

السابقالتالي
2 3