الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قال ٱبن عباس: إن رجلاً من الأنصار أسلم ثم ٱرتدّ ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه: سَلُوا لِي رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي مِنْ توبة؟ فجاء قومُه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل له من توبة؟ فنزلت { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } إلى قوله: { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فأرسل إليه فأسلم. أخرجه النسائي. وفي رواية: أن رجلاً من الأنصار ٱرتدّ فلحق بالمشركين، فأنزل الله { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ } إلى قوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } فبعث بها قومُه إليه، فلما قرئت عليه قال: والله ما كذَبني قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أكذبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله، والله عز وجل أصدق الثلاثة فرجع تائباً، فقبِل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه. وقال الحسن: نزلت في اليهود لأنهم كانوا يبشِّرون بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ويَسْتَفْتِحون على الذِين كفروا فلما بُعِث عانَدُوا وكفروا، فأنزل الله عز وجل { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }. ثم قيل: «كيف» لفظة ٱستفهام ومعناه الجحْد، أي لا يهدي الله. ونظيره قوله:كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ } [التوبة: 7] أي لا يكون لهم عهد وقال الشاعر:
كيف نومي على الفِراش ولَمَّا   يشمل القومَ غارةٌ شَعْواءُ
أي لا نوم لي. { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } يقال: ظاهر الآية أَنَّ مَن كفر بعد إسلامه لا يهديه الله ومن كان ظالماً، لا يهديه الله وقد رأينا كثيراً من المرتدِّين قد أسلموا وهداهم الله، وكثيراً من الظالمين تابوا عن الظلم. قيل له: معناه لا يهديهم الله ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم ولا يُقبِلون على الإسلام فأما إذا أسلموا وتابوا فقد وفقهم الله لذلك. والله تعالى أعلم.