الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }

قوله تعالى: { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } ذكر تعالى قبيحَ قول الكفار لا سِيمَا اليهود. وقال أهل التفسير لما أنزل الله { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } قال قوم من اليهود ـ منهم حُيّ بن أخطب في قول الحسن. وقال عكرمة وغيره: وهو فنحاص بن عازوراء ـ إِنَّ الَلَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ يقترض منا. وإنما قالوا هذا تَموِيهاً على ضعفائهم، لا أنهم يعتقدون هذا لأنهم أهل كتاب. ولكنهم كفروا بهذا القول لأنهم أرادوا تشكيك الضعفاء منهم ومن المؤمنين، وتكذيبَ النبي صلى الله عليه وسلم. أي أنه فقير على قول محمد صلى الله عليه وسلم لأنه اقترض منِا. { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } سنجازيهم عليه. وقيل: سنكتبه في صحائف أعمالهم، أي نأمر الحَفَظة بإثبات قولهم حتى يقرءوه يوم القِيامة في كتبهم التي يُؤتونها حتى يكون أوكدَ للحجة عليهم. وهذا كقوله: { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } وقيل: مقصود الكتابة الحفظ، أي سنحفظ ما قالوا لنجازيهم. «وما» في قوله «ما قالوا» في موضع نصب بـ «سنكتب» وقرأ الأعمش وحمزة «سيُكتب» بالياء فيكون «ما» اسم ما لم يُسمّ فاعله. واعتبر حمزة ذلك بقراءة ابن مسعود: { ويقال ذوقوا عذاب الحريق }. قوله تعالى: { وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } أي ونكتب قتلَهم الأنبياء، أي رضاهم بالقتل. والمراد قتل أسلافهم الأنبياء لكن لما رَضُوا بذلك الإضافة إليهم. وحسَّن رجل عند الشعبي قتْل عثمان رضي الله عنه فقال له الشعبي. شَرِكَت في دمه. فجعل الرضا بالقتل قتْلا رضي الله عنه. قلت: وهذه مسألة عُظْمَى، حيث يكون الرضا بالمعصية معصيةً. وقد روى أبو داود عن العُرْس بن عميرة الكندي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهِدَها فكرِهها ـ وقال مرة فأنكرها ـ كمن غاب عنها ومن غاب عنها فَرِضِيها كان كمن شهِدَها " وهذا نص. قوله تعالى: { بِغَيْرِ حَقٍّ } تقدم معناه في البقرة. { وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي يقال لهم في جهنم. أو عند الموت، أو عند الحساب هذا. ثم هذا القول من الله تعالى، أو من الملائكة قولان. وقراءة ٱبن مسعود «ويقال». والحريق اسم للملتهبة من النار، والنار تشمل الملتهبة وغير الملتهبة. قوله تعالى: { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أي ذلك العذاب بما سلف من الذنوب. وخصّ الأيْدِي بالذكر ليدلّ على تولّى الفعل ومباشرته إذ قد يُضاف الفعل إلى الأنسان بمعنى أنه أمر به كقوله:يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ } [القصص: 4] وأصل { أَيْدِيكُمْ } أيديكم فحذفت الضمة لثقلها. والله أعلم.