الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ }

اختُلف في قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ } فقال مُجاهد ومُقاتِل وعِكرمة والكَلْبيّ: هو نُعيم بن مسعود الأشجعيّ. واللّفظ عامّ ومعناه خاص كقوله: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم. السُّدِّي: هو أعرابيّ جُعِل له جُعْل على ذلك. وقال ٱبن إسحاقَ وجماعةٌ: يريد بالناس ركْبَ عبدِ القيس، مَرُّوا بأبي سفيان فدسّهم إلى المسلمين ليثبّطوهم. وقيل: الناس هنا المنافقون. قال السُّدِّي: لما تجهّز النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه للمسير إلى بَدْرٍ الصغرى لميعاد أبي سفيان أتاهم المنافقون وقالوا: نحن أصحابكم الذين نهيناكم عن الخروج إليهم وعصيتمونا، وقد قاتلوكم في دياركم وظَفِروا فإن أتيتموهم في ديارهم فلا يرجع منكم أحد. فقالوا: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ». وقال أبو مَعْشر: دخل ناس من هُذيل من أهل تِهامة المدينةَ، فسألهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي سفيان فقالوا: { قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } جموعاً كثيرة { فَٱخْشَوْهُمْ } أي فخافوهم وٱحذروهم فإنه لا طاقة لكم بهم. فالناس على هذه الأقوال على بابه من الجمع. والله أعلم. قوله تعالى: { فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } أي فزادهم قولُ الناس إيماناً، أي تصديقاً ويقيناً في دينهم، وإقامةً على نُصرتهم، وقوّةً وجراءة واستعداداً. فزيادة الإيمان على هذا هي في الأعمال. وقد اختلف العلماء في زيادة الإيمان ونقصانه على أقوال. والعقيدة في هذا على أن نفس الإيمان الذي هو تاجٌ واحدٌ، وتصديق واحد بشيء مّا، إنما هو معنًى فَرْدٌ، لا يدخل معه زيادة إذا حصل، ولا يبقى منه شيء إذا زال فلم يبق إلا أن تكون الزيادة والنقصان في متعلَّقاته دون ذاته. فذهب جمع من العلماء إلى أنه يزيد وينقص من حيث الأعمال الصادرة عنه، لا سيما أن كثير من العلماء يوقعون ٱسم الإيمان على الطاعات لقوله صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وسبعون باباً فأعلاها قول لا إلۤه إلا اللَّهُ وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " أخرجه الترمذيّ، وزاد مسلم " والحياء شُعْبَةٌ من الإيمان " وفي حديث عليّ رضي الله عنه: " إن الإيمان ليبدو لُمَظَةً بيضاء في القلب، كلما ٱزداد الإيمان ٱزدادت اللُّمَظَة " وقوله «لمظة» قال الأصمعيّ: اللمظة مثل النُّكْتة ونحوها من البياض ومنه قيل: فرس ألْمَظ، إذا كان بجَحْفَلته شيء من بياض. والمحدّثون يقولون «لمظة» بالفتح. وأما كلام العرب فبالضم مثل شُبهة ودهمة وخُمرة. وفيه حُجّةٌ على من أنكر أن يكون الإيمان يزيد وينقص. ألا تراه يقول كلما ٱزداد النفاق ٱسودّ القلب حتى يسودّ القلب كلّه. ومنهم من قال: إن الإيمان عَرَض، وهو لا يَثْبُتُ زمانين فهو للنبيّ صلى الله عليه وسلم وللصُّلحاء متعاقب، فيزيد باعتبار توالي أمثاله على قلب المؤمن، وباعتبار دوام حضوره.

السابقالتالي
2