الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ }

{ ٱلَّذِينَ } بدل من قوله «لِلّذِينَ ٱتَّقَوْا» وإن شئت كان رفعاً أي هم الذين، أو نصباً على المدح. { رَبَّنَآ } أي يا ربنا. { إِنَّنَآ آمَنَّا } أي صدّقنا. { فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } دعاء بالمغفرة. { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } تقدّم في البقرة. { ٱلصَّابِرِينَ } يعني عن المعاصي والشهوات، وقيل: على الطاعات. { وَٱلصَّادِقِينَ } أي في الأفعال والأقوال { وَٱلْقَانِتِينَ } الطائعين. { وَٱلْمُنْفِقِينَ } يعني في سبيل الله. وقد تقدّم في البقرة هذه المعاني على الكمال. ففسر تعالى في هذه الآية أحوال المتقين الموعودين بالجنات. وٱختلف في معنى قوله تعالى: { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } فقال أنس بن مالك: هم السائلون المغفرة. قتادة: المصَلّون. قلت: ولا تناقض، فإنهم يصلون ويستغفرون. وخص السّحَر بالذكر لأنه مظانّ القبول ووقت إجابة الدعاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى مخبراً عن يعقوب عليه السلام لبنيه:سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ } [يوسف: 98]: «إنه أخّر ذلك إلى السحر» خرّجه الترمذيّ وسيأتي. وسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم جبريل «أيّ الليل أسمع»؟ فقال: «لا أدري غير أنّ العرش يهتزّ عند السحر». يقال سحر وسحر، بفتح الحاء وسكونها، وقال الزجاج: السحر من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر الثاني، وقال ٱبن زيد: السحر هو سدس الليل الآخر. قلت: أصح من هذا ما روى الأئمة عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " ينزِل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأوّل فيقول أنا المِلك أنا المِلك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفِر له فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر " في رواية " حتى ينفجر الصبح " لفظ مسلم. وقد ٱختلف في تأويله وأُولى ما قيل فيه ما جاء في كتاب النَّسائيّ مفسَّراً عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ الله عز وجل يمهِل حتى يمضي شطرُ الليل الأوّل ثم يأمر منادياً فيقول هل من داعٍ يُستجاب له هل من مستغفِر يغفر له هل من سائل يُعطى " صححه أبو محمد عبد الحق، وهو يرفع الإشكال ويوضح كل ٱحتمال، وأنّ الأوّل من باب حذف المضاف، أي ينزل ملَكُ ربنا فيقول. وقد روي «يُنزَل» بضم الياء، وهو يبيّن ما ذكرنا، وبالله توفيقنا. وقد أتينا على ذكره في «الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى». مسألة: الاستغفار مندوبٌ إليه، وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين في هذه الآية وغيرها فقال:وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات: 18]. وقال أنس بن مالك: أُمِرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة.

السابقالتالي
2