الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

فيه إحدى عشرة مسألة: الأولى: لما أخلّ الرُّماة يوم أُحد بمراكزهم ـ على ما تقدّم ـ خوفاً من أن يستولي المسلمون على الغنيمة فلا يُصرف إليهم شيء، بيّن الله سبحانه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يجور في القسمة فما كان من حقّكم أن تتهموه. وقال الضحاك: بل السبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث طلائع في بعض غزواته ثم غَنم قبل مجيئهم فقسم للناس ولم يقسم للطلائع فأنزل الله عليه عِتاباً: { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ } أي يقسم لبعض ويترك بعضاً. ورُوي نحو هذا القول عن ابن عباس. وقال ابن عباس أيضاً وعِكرمة وابن جُبير وغيرهم: نزلت بسبب قطيفة حمراء فُقدت في المغانم يوم بدر فقال بعض من كان مع النبيّ صلى الله عليه وسلم: لعلّ أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم أخذها، فنزلت الآية أخرجه أبو داود والتِّرمذِيّ وقال: هذا حديث حسن غريب. قال ابن عطية: قيل كانت هذه المقالة من مؤمنين لم يظنّوا أن في ذلك حَرجاً. وقيل: كانت من المنافقين. وقد رُوي أن المفقود كان سيفاً. وهذه الأقوال تُخَرّج على قراءة «يَغُل» بفتح الياء وضم الغين. وروى أبو صخر عن محمد بن كعب { وَمَا كَانَ لِنَبيٍّ أَنْ يَغُلَّ } قال: تقول وما كان لنبيّ أن يكتم شيئاً من كتاب الله. وقيل: اللام فيه منقولة، أي وما كان نبيّ لِيَغُل كقوله: { مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ }. أي ما كان الله ليتخذ ولداً. وقرىء «يُغَل» بضم الياء وفتح الغين. وقال ابن السِّكّيت: لم نسمع في المَغْنَم إلا غَلَّ غُلولاً، وقرىء و ما كان لنبيّ أن يَغُلّ ويُغَلّ. قال: فمعنى «يَغُل» يَخُون، ومعنى «يُغَلّ» يُخَوَّن، ويحتمل معنيين: أحدهما يُخان أي يؤخذ من غنيمته، والآخر يُخَوّن أن يُنسب إلى الغُلُول: ثم قيل: إن كل من غَلّ شيئاً في خفاء فقد غَلّ يَغُلّ غُلولاً: قال ابن عرفة: سُمّيت غُلولاً لأن الأيدي مَغلولةٌ منها، أي ممنوعة. وقال أبو عبيد: الغُلُول من المَغْنم خاصّةً، ولا نراه من الخيانة ولا من الحِقد. ومما يُبَيِّن ذلك أنه يقال من الخيانة: أَغَلّ يغِل، ومن الحِقْد: غَلّ يَغِلّ بالكسر، ومن الغُلول: غَلّ يَغُلّ بالضم. وغَلّ البعير أيضاً يَغَلّ غلة إذا لم يَقْض رِيّه وأَغَلّ الرجل خان، قال النَّمِر:
جزى الله عنّا حَمْزةَ ابنةَ نَوْفَلٍ   جزاءَ مُغِلٍّ بالأمانة كاذبِ
وفي الحديث: " لا إغلالَ ولا إسْلال " أي لا خيانة ولا سرقة، ويقال: لا رِشْوة. وقال شُرَيح: ليس على المُسْتعير غير المُغِلّ ضَمانٌ. وقال صلى الله عليه وسلم: " ثلاثٌ لا يُغلّ عليهنّ قلبُ مؤمن "

السابقالتالي
2 3 4 5 6