الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ }

قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً } هذا حَضٌّ على الجهاد، وإعلامٌ أن الموت لا بدّ منه وأن كلّ إنسان مقتولٍ أو غير مقتولٍ مَيِّتٌ إذا بلغ أجلَه المكتوب له لأن معنى { مُؤَجَّلاً } إلى أجل. ومعنى { بِإِذْنِ الله } بقضاء الله وقَدَره. وَ «كِتَاباً» نصب على المصدر، أي كتب الله كتاباً مُؤَجَلا. وأجلُ الموت هو الوقت الذي في معلومه سبحانه، أن روح الحيّ تفارق جسده، ومتى قُتل العبد علمنا أن ذلك أجله. ولا يصحّ أن يقال: لو لم يقتلْ لَعَاش. والدليل على قوله: { كِتَاباً مُّؤَجَّلاً }فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [الأعراف: 34]فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ } [العنكبوت: 5]لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [الرعد: 38]. والمعتزِلِيّ يقول: يتقدم الأجل ويتأخّر، وأن من قتل فإنما يهلِك قبل أجله، وكذلك كلُّ ما ذبح من الحيوان كان هلاكه قبل أجله لأنه يجب على القاتل الضَّمَان والدية. وقد بيّن الله تعالى في هذه الآية أنه لا تهلك نفس قبل أجلها. وسيأتي لهذا مزيد بيان في «الأعراف» إن شاء الله تعالى. وفيه دليل على كتب العلم وتدوينه. وسيأتي بيانه في «طه» عند قوله.قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ } [طه: 52] إن شاء الله تعالى. قوله تعالى: { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } يعني الغنيمة، نزلت في الذين تركوا المركز طلباً للغنيمة. وقيل: هي عامّة في كل من أراد الدنيا دون الآخرة والمعنى نؤتِه مِنها ما قُسم له. وفي التنزيل:مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } [الإسراء: 18]. { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } أي نؤته جزاء عمله، على ما وصف الله تعالى من تضعيف الحسنات لمن يشاء. وقيل: لمراد منها عبد الله بن جُبَيْر ومن لزم المرْكَز معه حتى قُتِلوا. { وَسَنَجْزِي ٱلشَّاكِرِينَ } أي نؤتيهم الثواب الأبَديّ جزاءً لهم على ترك الانهزام، فهو تأكيد لما تقدّم من إيتاء مزيد الآخرة. وقيل: { وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ } من الرزق في الدنيا لئلا يُتَوَهّم أن الشاكر يُحرم ما قُسِم له مما يناله الكافر.