الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }

فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: { وَسَارِعُوۤاْ } قرأ نافع وآبن عامر «سَارِعُوا» بغير واو وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام. وقرأ باقي السبعة «وَسَارعُوا» بالواو. وقال أبو عليّ: كلا الأمرين شائع مستقيم، فمن قرأ بالواو فلأنه عطف الجملة على الجملة، ومن ترك الواو فلأن الجملة الثانية ملتبسةٌ بالأولى مستغنيةٌ بذلك عن العطف بالواو. والمسارعة المبادرة، وهي مفاعلة. وفي الآية حذف، أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطاعة. قال أنس ٱبن مالك ومَكْحُول في تفسير { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ }: معناه إلى تكبيرة الإحرام. وقال علي بن أبي طالب: إلى أداء الفرائض. عثمان بن عفان: إلى الإخلاص. الكلبي: إلى التوبة من الربا. وقيل: إلى الثبات في القتال. وقيل غير هذا. والآية عامّة في الجميع، ومعناها معنىفَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ } [البقرة: 148] وقد تقدّم. الثانية: قوله تعالى: { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } تقديره كعرض فحذف المضاف كقوله:مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [لقمان: 28] أي إِلا كخلق نفس واحدة وبعثها. قال الشاعر:
حَسَبْتَ بُغَامَ رَاحِلَتي عَنَاقاً   وما هي وَيْبَ غَيْرِكَ بالعَنَاقِ
يريد صوت عناق. نظيره في سورة الحديدوَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [الحديد: 21]. وٱختلف العلماء في تأويله فقال ٱبن عباس: تُقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض فذلك عرض الجنة، ولا يعلم طولها إلا الله. وهذا قول الجمهور، وذلك لا ينكر فإن في حديث أبي ذرّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما السموات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم ألقيت في فلاةٍ من الأرض وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض " فهذه مخلوقات أعظم بكثير جداً من السموات والأرض، وقدرة الله أعظم من ذلك كله. وقال الكلبي: الجِنَان أربعة: جنة عدن وجنة المأوى وجنة الفردوس وجنة النعيم، وكل جنة منها كعرض السماء والأرض لو وصل بعضها ببعض. وقال إِسماعيل السدي: لو كسرت السموات والأرض وصرن خردلا، فبِكل خردلة جنة عرضها كعرض السماء والأرض. وفي الصحيح: " إن أدنى أهل الجنة منزلة من يتمنَّى ويتمنَّى حتى إذا ٱنقطعت به الأماني قال الله تعالى: لك ذلك وعشرة أمثاله " رواه أبو سعيد الخدري، خرجه مسلم وغيره. و " قال يعلى بن أبي مُرّة: لقيتُ التَنُّوخي رسول هِرقْلَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِحمْص شيخا كبيرا قال: قدِمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل، فناول الصحيفة رجلا عن يساره، قال: فقلت من صاحبكم الذي يقرأ؟ قالوا: معاوية فإذا كتاب صاحبي: إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار» "

السابقالتالي
2