الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

قوله تعالىٰ: { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هِـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } «ما» تصلح أن تكون مصدرية، وتصلح أن تكون بمعنى الذي والعائد محذوف، أي مثل ما ينفقونه. ومعنى { كَمَثَلِ رِيحٍ } كمثل مَهبّ ريح. قال ٱبن عباس: والصِّرّ البرد الشديد. قيل: أصله من الصرير الذي هو الصوت، فهو صوت الريح الشديدة. الزجاج: هو صوت لَهَب النار التي كانت في تلك الريح. وقد تقدّم هذا المعنى في البقرة. وفي الحديث: إنه نهى عن الجراد الذي قتله الصِّر. ومعنى الآية: مثل نفقة الكافرين في بطلانها وذهابها وعدم منفعتها كمثل زرع أصابه ريح باردة أو نار فأحرقته وأهلكته، فلم ينتفع أصحابه بشيء بعدما كانوا يرجون فائدته ونفعه. قال الله تعالىٰ: { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ } بذلك { وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بالكفر والمعصية ومَنْعِ حق الله تعالىٰ. وقيل: ظلموا أنفسهم بأن زرعوا في غير وقت الزراعة أو في غير موضعها فأدّبهم الله تعالىٰ لوضعهم الشيء في غير موضعه حكاه المَهْدَوِيّ.