الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } * { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } لما أنذرهم بالعذاب قالوا لفرط الإنكار عَجّل لنا هذا العذاب. وقيل: إن قائل ذلك النّضر بن الحرث وأبو جهل حين قالاٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأنفال: 32] وقولهم:رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [صۤ: 16] وقوله: { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى } في نزول العذاب. قال ابن عباس: يعني هو ما وعدتك ألا أعذب قومك وأؤخرهم إلى يوم القيامة. بيانه:بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } [القمر: 46]. وقال الضحاك: هو مدة أعمارهم في الدنيا. وقيل: المراد بالأجل المسمى النفخة الأولى، قاله يحيـى بن سلاّم. وقيل: الوقت الذي قدره الله لهلاكهم وعذابهم قاله ابن شجرة. وقيل: هو القتل يوم بدر. وعلى الجملة فلكل عذاب أجل لا يتقدم ولا يتأخر. دليله قوله:لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ } [الأنعام: 67]. { لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } يعني الذي استعجلوه. { وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً } أي فجأة. { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أي لا يعلمون بنزوله عليهم. { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } أي يستعجلونك وقد أعد لهم جهنم وأنها ستحيط بهم لا محالة، فما معنى الاستعجال. وقيل: نزلت في عبد الله بن أبي أمية وأصحابه من المشركين حين قالواأَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً } [الإسراء: 92]. قوله تعالى: { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ } قيل: هو متصل بما هو قبله أي يوم يصيبهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم، فإذا غشيهم العذاب أحاطت بهم جهنم. وإنما قال { وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } للمقاربة وإلا فالغشيان من فوق أعم كما قال الشاعر:
عَـلَـفْـتُـهَـا تِـبْـنـاً ومـاءً بـارِدا   
وقال آخر:
لقد كان قوّادَ الجيادِ إلى العِدَا   عليهنّ غابٌ من قَنًى ودروع
{ وَيِقُولُ ذُوقُواْ } قرأ أهل المدينة والكوفة: «نَقُولُ» بالنون. الباقون بالياء. واختاره أبو عبيد لقوله: { قُلْ كَفَى بِاللَّهِ } ويحتمل أن يكون الملَك الموكَّل بهم يقول: { ذُوقُوا } والقراءتان ترجع إلى معنى. أي يقول الملك بأمرنا ذوقوا.