الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُوۤاْ إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } * { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } * { وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرينَ } * { إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } قال الكسائي: المعنى وأنجينا لوطاً أو أرسلنا لوطاً. قال: وهذا الوجه أحب إليّ. ويجوز أن يكون المعنى واذكر لوطاً إذ قال لقومه موبخاً أو محذراً { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } { أَئِنَّكُمْ } تقدم القراءة في هذا وبيانها في سورة «الأعراف». وتقدم قصة لوط وقومه في «الأعراف» و«هود» أيضاً. { وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ } قيل: كانوا قطاع الطريق قاله ابن زيد. وقيل: كانوا يأخذون الناس من الطرق لقضاء الفاحشة حكاه ابن شجرة. وقيل: إنه قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال قاله وهب بن منبّه. أي استغنوا بالرجال عن النساء. قلت: ولعل الجميع كان فيهم فكانوا يقطعون الطريق لأخذ الأموال والفاحشة، ويستغنون عن النساء بذلك. { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } النادي المجلس واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه فقالت فرقة: كانوا يخذفون النساء بالحصى، ويستخفّون بالغريب والخاطر عليهم. وروته أم هانىء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. " قالت أم هانىء: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } قال: «كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه فذلك المنكر الذي كانوا يأتونه» " أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده. وذكره النحاس والثعلبي والمهدوي والماوردي. وذكر الثعلبي قال معاوية قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إن قوم لوط كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل قصعة فيها الحصى للخذف فإذا مرّ بهم عابر قذفوه فأيهم أصابه كان أولى به " يعني يذهب به للفاحشة فذلك قوله: { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ }. وقالت عائشة وابن عباس والقاسم ابن أبي بَزّة والقاسم بن محمد: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم. وقال منصور عن مجاهد كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضاً. وعن مجاهد: كان من أمرهم لعب الحمام وتطريف الأصابع بالحناء والصفير والخذف ونبذ الحياء في جميع أمورهم. قال ابن عطية: وقد توجد هذه الأمور في بعض عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالتناهي واجب. قال مكحول: في هذه الأمة عشرة من أخلاق قوم لوط: مضغ العلك، وتطريف الأصابع بالحنّاء، وحلّ الإزار، وتنقيض الأصابع، والعمامة التي تلف حول الرأس، والتشابك، ورمي الجُلاهِق، والصفير والخذف، واللوطية. وعن ابن عباس قال: إن قوم لوط كانت فيهم ذنوب غير الفاحشة، منها أنهم يتظالمون فيما بينهم، ويشتم بعضهم بعضاً، ويتضارطون في مجالسهم، ويخذفون ويلعبون بالنَّرْد والشِّطْرَنج، ويلبسون المصبغات، ويتناقرون بالديكة، ويتناطحون بالكباش، ويُطرِّفون أصابعهم بالحنّاء، وتتشبه الرجال بلباس النساء والنساء بلباس الرجال، ويضربون المكوس على كل عابر، ومع هذا كله كانوا يشركون بالله وهم أوّل من ظهر على أيديهم اللوطية والسِّحاق.

السابقالتالي
2