الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } * { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

قوله تعالى: { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي قل لهم يا محمد سيروا في الأرض { فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ } على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم لتعلموا بذلك كمال قدرة الله. { ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ } وقرأ أبو عمرو وابن كثير: { النَّشَاءَةَ } بفتح الشين وهما لغتان مثل الرأفةِ والرآفةِ وشبهه. الجوهري: أنشأه الله خلقه، والاسم النشأة والنشاءة بالمدّ عن أبي عمرو بن العلاء. { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } أي بعدله. { وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ } أي بفضله. { وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } ترجعون وتردون. { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } قال الفرّاء: معناه ولا من في السماء بمعجزين الله وهو غامض في العربية للضمير الذي لم يظهر في الثاني. وهو كقول حسان:
فمن يَهْجو رسول اللَّهِ منكم   ويمَدحُهُ ويَنصرُه سَواءُ
أراد ومَن يمدحه وينصره سواء فأضمر مَن وقاله عبد الرحمن بن زيد. ونظيره قوله سبحانه:وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [الصافات: 164] أي مَن له. والمعنى إن الله لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء إن عصوه. وقال قُطْرُب: ولا في السماء لو كنتم فيها، كما تقول: لا يفوتني فلان بالبصرة ولا هاهنا، بمعنى لا يفوتني بالبصرة لو صار أليها. وقيل: لا يستطيعون هرباً في الأرض ولا في السماء. وقال المبرّد: والمعنى ولا مَن في السماء على مَن ليست موصولة ولكن تكون نكرة و { فِي السَّمَاءِ } صفة لها، فأقيمت الصفة مقام الموصوف. وردّ ذلك عليّ بن سليمان. وقال: لا يجوز. وقال: إن مَن إذا كانت نكرة فلا بد من وصفها فصفتها كالصلة، ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة قال: والمعنى إن الناس خوطبوا بما يعقلون والمعنى لو كنتم في السماء ما أعجزتم الله كما قال:وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } [النساء: 78]. { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } ويجوز { نَصِيرٌ } بالرفع على الموضع، وتكون { مِن } زائدة. { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ } أي بالقرآن أو بما نصب من الأدلة والأعلام. { أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي } أي من الجنة ونسب اليأس إليهم والمعنى أويسوا. وهذه الآيات اعتراض من الله تعالى تذكيراً وتحذيراً لأهل مكة. ثم عاد الخطاب إلى قصة إبراهيم. فقال: { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } حين دعاهم إلى الله تعالى { إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } ثم اتفقوا على تحريقه { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ } أي من إذايتها { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } أي في إنجائه من النار العظيمة حتى لم تحرقه بعد ما ألقي فيها { لآيَاتٍ }. وقراءة العامة { جَوَابَ } بنصب الباء على أنه خبر كان و { أَنْ قَالُوا } في محل الرفع اسم كان.

السابقالتالي
2