الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا } أي ديننا. { وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } جزم على الأمر. قال الفراء والزجاج: هو أمر في تأويل الشرط والجزاء أي إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم، كما قال:
فقلتُ ادعِي وأَدعُ إنّ أنْدَى   لِصوتٍ أَن يُنَادِيَ داعِيانِ
أي إن دعوتِ دعوتُ. قال المهدويّ: وجاء وقوع { إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } بعده على الحمل على المعنى لأن المعنى إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم. فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر وقع عليه التكذيب كما يوقع عليه الخبر. قال مجاهد: قال المشركون من قريش نحن وأنتم لا نبعث، فإن كان عليكم وزر فعلينا أي نحن نحمل عنكم ما يلزمكم. والحمل ههنا بمعنى الحمالة لا الحمل على الظهر. وروي أن قائل ذلك الوليد بن المغيرة. { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } يعني ما يحمل عليهم من سيئات من ظلموه بعد فراغ حسناتهم. روي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد تقدّم في «آل عمران». قال أبو أمامة الباهلي " «يؤتى بالرجل يوم القيامة وهو كثير الحسنات فلا يزال يقتص منه حتى تفنى حسناته ثم يطالب فيقول الله عز وجل اقتصوا من عبدي فتقول الملائكة ما بقيت له حسنات فيقول خذوا من سيئات المظلوم فاجعلوا عليه» ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } " وقال قتادة: من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء. ونظيره قوله تعالى:لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [النحل: 25]. ونظير هذا قوله عليه السلام: " من سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " روي من حديث أبي هريرة وغيره. وقال الحسن قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من دعا إلى هدى فاتُّبِع عليه وعمل به فله مثل أجور من اتَّبعه ولا يَنْقص ذلك من أجورهم شيئاً وأيما داعٍ دعا إلى ضلالة فاتبِع عليها وعمل بها بعده فعليه مثل أوزار من عمل بها ممن اتَّبعه لا يَنقْص ذلك من أوزارهم شيئاً " ثم قر الحسن: { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ }. قلت: هذا مرسل وهو معنى حديث أبي هريرة خرجه مسلم. ونص حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أيما داع دعا إلى ضلالة فاتُّبِع فإن له مثلَ أوزار من اتَّبعه ولا ينقص من أوزارهم شيئاً وأيما داعٍ دعا إلى هدًى فاتُّبِع فإن له مثل أجور من اتَّبَعه ولا ينقص من أجورهم شيئاً " خرجه ابن ماجة في السنن. وفي الباب عن أبي جُحَيفة وجرير. وقد قيل: إن المراد أعوان الظلمة. وقيل: أصحاب البدع إذا اتُّبِعوا عليها. وقيل: محدِثو السنن الحادثة إذا عمل بها من بعدهم. والمعنى متقارب والحديث يجمع ذلك كله.