الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } * { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

قوله تعالى: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ } قد تقدّم معنى الوحي ومحامله. واختلف في هذا الوحي إلى أم موسى فقالت فرقة: كان قولاً في منامها. وقال قتادة: كان إلهاماً. وقالت فرقة: كان بمَلَك يمثَّل لها. قال مقاتل: أتاها جبريل بذلك، فعلى هذا هو وحي إعلام لا إلهام. وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية، وإنما إرسال المَلك إليها على نحو تكليم المَلك للأقرع والأبرص والأعمى في الحديث المشهور خرجه البخاري ومسلم، وقد ذكرناه في سورة «براءة». وغير ذلك مما روي من تكليم الملائكة للناس من غير نبوّة، وقد سلمت على عمران بن حصين فلم يكن بذلك نبياً. واسمها أيارخا وقيل أيارخت فيما ذكر السهيلي. وقال الثعلبي: واسم أم موسى لوحا بنت هاند بن لاوي بن يعقوب. { أَنْ أَرْضِعِيهِ } وقرأ عمر بن عبد العزيز: { أَنِ ارْضِعِيهِ } بكسر النون وألف وصل حذف همزة أرضع تخفيفاً ثم كسر النون لالتقاء الساكنين. قال مجاهد: وكان الوحي بالرضاع قبل الولادة. وقال غيره بعدها. قال السدي: لما ولدت أمّ موسى موسى أمرت أن ترضعه عقيب الولادة وتصنع به بما في الآية لأن الخوف كان عقيب الولادة. وقال ابن جريج: أمرت بإرضاعه أربعة أشهر في بستان، فإذا خافت أن يصيح ـ لأن لبنها لا يكفيه ـ صنعت به هذا. والأوّل أظهر إلا أن الآخر يعضده قوله: { فَإذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } و { إِذَا } لما يستقبل من الزمان فيروى أنها اتخذت له تابوتاً من بَرْدى وقيّرته بالقار من داخله، ووضعت فيه موسى وألقته في نيل مصر. وقد مضى خبره في «طه». قال ابن عباس: إن بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس، وعملوا بالمعاصي فسّلط الله عليهم القبط، وساموهم سوء العذاب، إلى أن نجاهم الله على يد موسى. قال وهب: بلغني أن فرعون ذبح في طلب موسى سبعين ألف وليد. ويقال: تسعون ألفاً. ويروى أنها حين اقتربت وضَربها الطلق، وكانت بعض القوابل الموكلات بحبالى بني إسرائيل مصافية لها فقالت: لينفعني حُبُّك اليوم فعالجتها فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيه، وارتعش كل مَفْصِل منها، ودخل حبّه قلبها، ثم قالت: ما جئتكِ إلا لأقتل مولودك وأخبر فرعون، ولكني وجدت لابنك حبًّا ما وجدت مثله قط، فاحفظيه فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفته في خرقة ووضعته في تنّور مسجور ناراً لم تعلم ما تصنع لما طاش عقلها، فطلبوا فلم يلفوا شيئاً، فخرجوا وهي لا تدري مكانه، فسمعت بكاءه من التنّور، وقد جعل الله عليه النار برداً وسلاماً. قوله تعالى: { وَلاَ تَخَافِي } فيه وجهان: أحدهما: لا تخافي عليه الغرق قاله ابن زيد. الثاني لا تخافي عليه الضيعة قاله يحيـى بن سَلاّم.

السابقالتالي
2 3