الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قوله تعالى: { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ } هذا متصل بذكر الشركاء الذين عبدوهم واختاروهم للشفاعة أي الاختيار إلى الله تعالى في الشّفعاء لا إلى المشركين. وقيل: هو جواب الوليد بن المغيرة حين قال:لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] يعني نفسه زعم، وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف. وقيل: هو جواب اليهود إذ قالوا لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل لآمنا به. قال ابن عباس: والمعنى وربك يخلق ما يشاء من خلقه ويختار منهم من يشاء لطاعته. وقال يحيـى بن سلاّم: والمعنى: وربك يخلق ما يشاء من خلقه ويختار من يشاء لنبوّته. وحكى النقاش: أن المعنى وربك يخلق ما يشاء من خلقه يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، ويختار الأنصار لدينه. قلت: وفي كتاب البزّار مرفوعاً صحيحاً عن جابر: " إن الله تعالى اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين واختار لي من أصحابي أربعة ـ يعني أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً ـ فجعلهم أصحابي وفي أصحابي كلهم خير واختار أمّتي على سائر الأمم واختار لي من أمتي أربعة قرون " وذكر سفيان بن عُييْنة عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبّه عن أبيه في قوله عز وجل: { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ } قال: من النعم الضأن، ومن الطير الحمام. والوقف التام { وَيَخْتَارُ }. وقال عليّ بن سليمان: هذا وقف التمام ولا يجوز أن تكون { ما } في موضع نصب بـ { ـيَخْتَارُ } لأنها لو كانت في موضع نصب لم يعد عليها شيء. قال وفي هذا رد على القدرية. قال النحاس: التمام { وَيَخْتَارُ } أي ويختار الرسل. { مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } أي ليس يرسل من اختاروه هم. قال أبو إسحاق: { وَيَخْتَارُ } هذا الوقف التام المختار، ويجوز أن تكون { ما } في موضع نصب بـ { ـيختار } ويكون المعنى ويختار الذي كان لهم فيه الخِيرَة. قال القشيري: الصحيح الأوّل لإطباقهم على الوقف على قوله { وَيَخْتَارُ }. قال المهدوي: وهو أشبه بمذهب أهل السنة و { ما } من قوله: { مَا كَانَ لَهمُ الْخِيْرَةُ } نفي عام لجميع الأشياء أن يكون للعبد فيها شيء سوى اكتسابه بقدرة الله عز وجل. الزمخشري: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخَيَرةُ } بيان لقوله { وَيَخْتَار } لأن معناه يختار ما يشاء ولهذا لم يدخل العاطف، والمعنى إن الخيرة لله تعالى في أفعاله وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها أي ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه. وأجاز الزجاج وغيره أن تكون { ما } منصوبة بـ { ـيَخْتَارُ }. وأنكر الطبريّ أن تكون { ما } نافية لئلا يكون المعنى إنهم لم تكن لهم الخيرة فيما مضى وهي لهم فيما يستقبل، ولأنه لم يتقدّم كلام بنفي.

السابقالتالي
2 3