الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } * { وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ } * { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } أي ينادي الله يوم القيامة هؤلاء المشركين { فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } بزعمكم أنهم ينصرونكم ويشفعون لكم. { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } أي حقت عليهم كلمة العذاب وهم الرؤساء قاله الكلبي. وقال قتادة: هم الشياطين. { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ } أي دعوناهم إلى الغيّ. فقيل لهم: أغويتموهم؟ قالوا: { أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا }. يعنون أضللناهم كما كنا ضالين. { تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ } أي تبرأ بعضنا من بعض، والشياطين يتبرؤون ممن أطاعهم، والرؤساء يتبرؤون ممن قبل منهم كما قال تعالى:ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67]. قوله تعالى: { وَقِيلَ } أي للكفار { ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ } أي استغيثوا بآلهتكم التي عبدتموها في الدنيا لتنصركم وتدفع عنكم. { فَدَعَوْهُمْ } أي استغاثوا بهم. { فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } أي فلم يجيبوهم ولم ينتفعوا بهم. { وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ } قال الزجاج: جواب { لَوْ } محذوف والمعنى: لو أنهم كانوا يهتدون لأنجاهم الهدى، ولما صاروا إلى العذاب. وقيل: أي لو أنهم كانوا يهتدون ما دعوهم. وقيل المعنى: ودّوا حين رأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا إذا رأوا العذاب يوم القيامة. { مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي يقول الله لهم ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين لما بلغوكم رسالاتي. { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ } أي خفيت عليهم الحجج قاله مجاهد لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا فلا يكون لهم عذر ولا حجة يوم القيامة. و«الأَنْبَاءُ» الأخبار سَمَّى حججهم أنباء لأنها أخبار يخبرونها. { فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } أي لا يسأل بعضهم بعضاً عن الحجج لأن الله تعالى أدحض حججهم قاله الضحاك. وقال ابن عباس: { لاَ يَتَسَاءَلُونَ } أي لا ينطقون بحجة. وقيل: { لاَ يَتَسَاءَلُونَ } في تلك الساعة، ولا يدرون ما يجيبون به من هول تلك الساعة، ثم يجيبون بعد ذلك كما أخبر عن قولهم:وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23]. وقال مجاهد: لا يتساءلون بالأنساب. وقيل: لا يسأل بعضهم بعضاً أن يحمل من ذنوبه شيئاً حكاه ابن عيسى. قوله تعالى: { فَأَمَّا مَن تَابَ } أي من الشرك { وَآمَنَ } أي صدّق { وَعَمِلَ صَالِحاً } أدى الفرائض وأكثر من النوافل { فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ } أي من الفائزين بالسعادة. وعسى من الله واجبة.