الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

قوله تعالى: ا { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ } أي قل يا محمد إذ كفرتم معاشر المشركين بهذين الكتابين { فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ } ليكون ذلك عذراً لكم في الكفر { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } في أنهما سحران. أو فأتوا بكتاب هو أهدى من كتابي موسى ومحمد عليهما السلام. وهذا يقوي قراءة الكوفيين { سِحْرَانِ }. { أَتَّبِعْهُ } قال الفرّاء: بالرفع لأنه صفة للكتاب وكتاب نكرة. قال: وإذا جزمت ـ وهو الوجه ـ فعلى الشرط. قوله تعالى: { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ } يا محمد أن يأتوا بكتاب من عند الله { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ } أي آراء قلوبهم وما يستحسنونه ويحببه لهم الشيطان، وأنه لا حجة لهم. { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ } أي لا أحد أضل منه { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }. قوله تعالى: { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ } أي أتبعنا بعضه بعضاً، وبعثنا رسولاً بعد رسول. وقرأ الحسن: { وَصَلْنَا } مخففاً. وقال أبو عبيدة والأخفش: معنى { وصلنا } أتممنا كصلتك الشيء. وقال ابن عُيَيْنة والسدّي: بيّنا. وقال ابن عباس. وقال مجاهد: فصلنا. وكذلك كان يقرؤها. وقال ابن زيد: وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة حتى كأنهم في الآخرة في الدنيا. وقال أهل المعاني: وَالَينا وتابعنا وأنزلنا القرآن تبِع بعضه بعضاً: وعداً ووعيداً وقصصاً وعبراً ونصائح ومواعظ إرادة أن يتذكروا فيفلحوا. وأصلها من وصل الحبال بعضها ببعض. قال الشاعر:
فقل لبني مروان ما بال ذِمّةٍ   وحبلٍ ضعيفٍ ما يزال يُوَصَّلُ
وقال امرؤ القيس:
درِيرٍ كَخُذروفِ الوليدِ أَمَرَّهُ   تَقَلُّبُ كفَّيه بخيطٍ مُوَصَّلِ
والضمير في { لهم } لقريش عن مجاهد. وقيل: هو لليهود. وقيل: هو لهم جميعاً. والآية رد على من قال هلا أوتي محمد القرآن جملة واحدة. { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } قال ابن عباس: يتذكرون محمداً فيؤمنوا به. وقيل: يتذكرون فيخافوا أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم قاله علي بن عيسى. وقيل: لعلهم يتعظون بالقرآن عن عبادة الأصنام. حكاه النقاش.