الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ }

قوله تعالى: { وَمَا كُنتَ } أي ما كنت يا محمد { بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ } أي بجانب الجبل الغربيّ قال الشاعر:
أعطاكَ من أعطى الهُدَى النبِيَّا   نُوراً يَزِينُ المِنبرَ الغربِيَّا
{ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ } إذ كلفناه أمرنا ونهينا، وألزمناه عهدنا. وقيل: أي إذ قضينا إلى موسى أمرك وذكرناك بخير ذكرٍ. وقال ابن عباس: { إِذْ قَضَيْنَا } أي أخبرنا أن أمة محمد خير الأمم. { وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } أي من الحاضرين. قوله تعالى: { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً } أي من بعد موسى { فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } حتى نسوا ذكر الله أي عهده وأمره. نظيره:فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } [الحديد: 16]. وظاهر هذا يوجب أن يكون جرى لنبيّنا عليه السلام ذكر في ذلك الوقت، وأن الله سيبعثه، ولكن طالت المدّة، وغلبت القسوة، فنسَي القوم ذلك. وقيل: آتينا موسى الكتاب وأخذنا على قومه العهود، ثم تطاول العهد فكفروا، فأرسلنا محمداً مجدداً للدين وداعياً الخلق إليه: وقوله تعالى: { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } أي مقيماً كمقام موسى وشعيب بينهم. قال الَعجَّاج:
فـبـاتَ حـيـث يـدخـلُ الـثَّـوِيُّ   
أي الضيف المقيم. وقوله: { تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } أي تذكرهم بالوعد والوعيد. { وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } أي أرسلناك في أهل مكة، وآتيناك كتاباً فيه هذه الأخبار: ولولا ذلك لما علمتها.