الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ }

قوله تعالى: { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } الآية تقدّم القول فيه. { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ } { من } متعلقة بـ { ـوَلَّى } أي ولّى مدبراً من الرهب. وقرأ حفص والسُّلَميّ وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق: { مِنَ الرَّهْبِ } بفتح الراء وإسكان الهاء. وقرأ ابن عامر والكوفيون إلا حفص بضم الراء وجزم الهاء. الباقون بفتح الراء والهاء. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله تعالى:وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } [الأنبياء: 90] وكلها لغات وهو بمعنى الخوف. والمعنى إذا هَالَك أمرُ يَدِك وشعاعها فأدخلها في جيبك وارددها إليه تعد كما كانت. وقيل: أمره الله أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه خوف الحية. عن مجاهد وغيره ورواه الضحاك عن ابن عباس قال: فقال ابن عباس: ليس من أحد يدخله رعب بعد موسى عليه السلام، ثم يدخل يده فيضعها على صدره إلا ذهب عنه الرعب. ويحكى عن عمر ابن عبد العزيز رحمه الله: أن كاتباً كان يكتب بين يديه، فانفلتت منه فلتة ريح فخجل وانكسر، فقام وضرب بقلمه الأرض. فقال له عمر: خذ قلمك واضمم إليك جناحك، وليفرخ روعك فإني ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي. وقيل: المعنى اضمم يدك إلى صدرك ليذهب الله ما في صدرك من الخوف. وكان موسى يرتعد خوفاً إما من آل فرعون وإما من الثعبان. وضم الجناح هو السكون كقوله تعالى:وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } [الإسراء: 24] يريد الرفق. وكذلك قوله:وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 215] أي ارفق بهم. وقال الفراء: أراد بالجناح عصاه. وقال بعض أهل المعاني: الرهب الكُمّ بلغة حمير وبني حنيفة. قال مقاتل: سألتني أعرابية شيئاً وأنا آكل فملأت الكف وأومأت إليها فقالت: هاهنا في رهبي. تريد في كُمّي. وقال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول لآخر أعطني رهبك. فسألته عن الرهب فقال: الكُمّ فعلى هذا يكون معناه اضمم إليك يدك وأخرجها من الكُم لأنه تناول العصا ويده في كمه وقوله: { اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } يدلّ على أنها اليد اليمنى لأن الجيب على اليسار. ذكره القشيري. قلت: وما فسروه من ضم اليد إلى الصدر يدلّ على أن الجيب موضعه الصدر. وقد مضى في سورة «النور» بيانه. الزمخشري: ومن بدع التفاسير أن الرهب الكُم بلغة حمير وأنهم يقولون أعطني مما في رهبك، وليت شعري كيف صحته في اللغةٰ وهل سمع من الأثبات الثقات الذين ترتضى عربيتهم، ثم ليت شعري كيف موقعه في الآية، وكيف تطبيقه المفصل كسائر كلمات التنزيل على أن موسى صلوات الله عليه ما كان عليه ليلة المناجاة إلا زُرْمَانِقَة من صوف لا كمين لها. قال القشيري: وقوله: { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } يريد اليدين إن قلنا أراد الأمن من فزع الثعبان.

السابقالتالي
2 3