الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } * { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى: { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } قال ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك وأبو عمران الجوني وأبو عبيدة: { فَارِغاً } أي خالياً من ذكر كل شيء في الدنيا إلا من ذكر موسى. وقال الحسن أيضاً وابن إسحاق وابن زيد: { فَارِغاً } من الوحي إذ أوحي إليها حين أمرت أن تلقيه في البحر { لاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي } والعهد الذي عهده إليها أن يردّه ويجعله من المرسلين فقال لها الشيطان: يا أم موسى كرهت أن يقتل فرعون موسى فغرّقتيه أنت! ثم بلغها أن ولدها وقع في يد فرعون فأنساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها. وقال أبو عبيدة: { فَارِغاً } من الغمّ والحزن لعلمها أنه لم يغرق وقاله الأخفش أيضاً. وقال العلاء بن زياد: { فَارِغاً } نافراً. الكسائي: ناسياً ذاهلاً. وقيل: والهاً رواه سعيد بن جبير. ابن القاسم عن مالك: هو ذهاب العقل والمعنى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع والدهشْ، ونحوه قوله تعالى:وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } [إبراهيم: 43] أي جُوف لا عقول لها كما تقدّم في سورة «إبراهيم». وذلك أن القلوب مراكز العقول ألا ترى إلى قوله تعالى:فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ } [الحج: 46] ويدل عليها قراءة من قرأ: { فَزِعاً }. النحاس: أصح هذه الأقوال الأول، والذين قالوه أعلم بكتاب الله عز وجل فإذا كان فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى فهو فارغ من الوحي. وقول أبي عبيدة فارغاً من الغم غلط قبيح لأن بعده { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَبَطْنا عَلَىٰ قَلْبِهَا }. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كادت تقول واابناهٰ وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه ومحمد بن السَّمَيْقَع وأبو العالية وابن محيصن: { فَزِعاً } بالفاء والعين المهملة من الفزع أي خائفة عليه أن يقتل. ابن عباس: «قَرِعاً» بالقاف والراء والعين المهملتين، وهي راجعة إلى قراءة الجماعة { فَارِغاً } ولذلك قيل للرأس الذي لا شعر عليه: أقرع لفراغه من الشعر. وحكى قطرب أن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ: { فِرْغاً } بالفاء والراء والغين المعجمة من غير ألف، وهو كقولك: هدراً وباطلاً يقال: دماؤهم بينهم فِرْغ أي هدر والمعنى بطل قلبها وذهب وبقيت لا قلب لها من شدّة ما ورد عليها. وفي قوله تعالى: { وَأَصْبَحَ } وجهان: أحدهما: أنها ألقته ليلاً فأصبح فؤادها في النهار فارغاً. الثاني: أنها ألقته نهاراً ومعنى: { أَصْبَحَ } أي صار كما قال الشاعر:
مضى الخلفاء بالأمر الرشيد   وأصبحت المدينة للوليد
{ إِن كَادَتْ } أي إنها كادت فلما حذفت الكناية سكنت النون. فهي { إِن } المخففة ولذلك دخلت اللام في { لَتُبْدِي بِهِ } أي لتظهر أمره من بدا يبدو إذا ظهر.

السابقالتالي
2 3