الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } * { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } * { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } أي واذكر يوم أو ذَكِّرهم يوم ينفخ في الصور. ومذهب الفرّاء أن المعنى: وذلكم يوم ينفخ في الصور وأجاز فيه الحذف. والصحيح في الصور أنه قرن من نور ينفخ فيه إسرافيل. قال مجاهد: كهيئة البوق. وقيل: هو البوق بلغة أهل اليمن. وقد مضى في «الأنعام» بيانه وما للعلماء في ذلك. { فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } قال أبو هريرة قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الله لما فرغ من خلق السموات خلق الصُّور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر بالنفخة» قلت: يا رسول الله ما الصُّور؟ قال: " قَرْن والله عظيم والذي بعثني بالحق إن عظم دارة فِيهِ كعرض السماء والأرض فينفخ فيه ثلاث نفخات النفخة الأولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصَّعْق والثالثة نفخة البعث والقيام لرب العالمين " وذكر الحديث. ذكره علي بن معبد والطبري والثعلبي وغيرهم، وصححه ابن العربي. وقد ذكرته في كتاب «التذكرة» وتكلمنا عليه هنالك، وأن الصحيح في النفخ في الصّور أنهما نفختان لا ثلاث، وأن نفخة الفزع إنما تكون راجعة إلى نفخة الصعق لأن الأمرين لازمان لهما أي فزعوا فزعاً ماتوا منه أو إلى نفخة البعث وهو اختيار القشيري وغيره فإنه قال في كلامه على هذه الآية: والمراد النفخة الثانية أي يحيون فزعين يقولون:مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } [يۤس: 52] ويعاينون من الأمر ما يهولهم ويفزعهم وهذا النفخ كصوت البوق لتجتمع الخلق في أرض الجزاء. قاله قتادة وقال الماورديّ: { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ }. هو يوم النشور من القبور، قال وفي هذا الفزع قولان: أحدهما: أنه الإسراع والإجابة إلى النداء من قولهم: فزعت إليك في كذا إذا أسرعت إلى ندائك في معونتك. والقول الثاني: إن الفزع هنا هو الفزع المعهود من الخوف والحزن لأنهم أزعجوا من قبورهم ففزعوا وخافوا. وهذا أشبه القولين. قلت: والسنة الثابتة من حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن عمر ويدلّ على أنهما نفختان لا ثلاث خرجهما مسلم وقد ذكرناهما في كتاب «التذكرة» وهو الصحيح إن شاء الله تعالى أنهما نفختان قال الله تعالى: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } فاستثنى هنا كما استثنى في نفخة الفزع فدلّ على أنهما واحدة. وقد روى ابن المبارك عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بين النفختين أربعون سنة الأولى يميت الله بها كل حيّ والأخرى يحيـي الله بها كل ميت " فإن قيل: فإن قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5