الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } * { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ }

قوله تعالى: { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ }. وعن بعضهم: أخفى غيبه على الخلق، ولم يَطَّلع عليه أحد لئلا يأمن أحد من عبيده مكره. وقيل: نزلت في المشركين حين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن قيام الساعة. و { مَنْ } في موضع رفع والمعنى: قل لا يعلم أحد الغيب إلا الله فإنه بدل من { مَن } قاله الزجاج. الفراء: وإنما رفع ما بعد { إلا } لأن ما قبلها جحد، كقوله: ما ذهب أحد إلا أبوك والمعنى واحد. قال الزجاج: ومن نصب نصب على الاستثناء يعني في الكلام. قال النحاس: وسمعته يحتج بهذه الآية على من صدّق منجِّماً وقال: أخاف أن يكفر بهذه الآية. قلت: وقد مضى هذا في «الأنعام» مستوفى. وقالت عائشة: من زعم أن محمداً يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية والله تعالى يقول: { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } خرجه مسلم. وروي أنه دخل على الحجاج منجِّم فاعتقله الحجاج، ثم أخذ حصيات فعدّهن، ثم قال: كم في يدي من حصاة؟ فحسب المنجم ثم قال: كذا فأصاب. ثم اعتقله فأخذ حصيات لم يعدهن فقال: كم في يدي؟ فحسب فأخطأ ثم حسب فأخطأ ثم قال: أيها الأمير أظنك لا تعرف عددها قال: لا. قال: فإني لا أصيب. قال: فما الفرق؟ قال: إن ذلك أحصيته فخرج عن حدّ الغيب، وهذا لم تحصه فهو غيب و { لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } وقد مضى هذا في «آل عمران» والحمد لله. قوله تعالى: { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } هذه قراءة أكثر الناس منهم عاصم وشيبة ونافع ويحيـى بن وثّاب والأعمش وحمزة والكسائي. وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو وحميد: { بَلْ أَدْرَكَ } من الإدراك. وقرأ عطاء بن يسار وأخوه سليمان بن يسار والأعمش: { بَلِ ادَّرَكَ } غير مهموز مشدّداً. وقرأ ابن محيصن: { بَلْ أَادَّرَكَ } على الاستفهام. وقرأ ابن عباس: { بَلَى } بإثبات الياء { أَدَّارَكَ } بهمزة قطع والدال مشدّدة وألف بعدها قال النحاس: وإسناده إسناد صحيح، هو من حديث شُعبة يرفعه إلى ابن عباس. وزعم هارون القارىء أن قراءة أبيّ { بَلْ تَدَارَكَ عِلْمُهُمْ }. وحكى الثعلبي أنها في حرف أبىّ " أم تدارك ". والعرب تضع بَلْ موضع أم و أم موضع بل إذا كان في أول الكلام استفهان كقول الشاعر:
فوالله لا أدري أسلمى تقولت   أم القول أم كل إلى حبيب
القراءة الأولى والأخيرة معناهما واحد لأن أصل «ٱدَّارَكَ» تدارك أدغمت الدال في التاء وجيء بألف الوصل وفي معناه قولان: أحدهما أن المعنى بل تكامل علمهم في الآخرة لأنهم رأوا كل ما وُعِدوا به معاينة فتكامل علمهم به.

السابقالتالي
2